تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن عدم استحضار المقصد من قراءة القرآن الكريم يوقعنا في خطأ اعتبار القراءات المقترحة ـ والتي لا تأخذ بخصوصيات القرآن الكريم، ولا تعتد بقواعد وأصول التفسير ـ قراءات علمية، والنظر إلى القراءة المقاصدية التي اعتمدها جل المفسرين من أهل السنة والجماعة على أنها قراءة غير علمية وغير موضوعية، مما يعتبر في نظرنا قلبا للحقائق، وتسويغا لمشاريع أيديولوجية بركوب موجة تعدد القراءات.

والواقع إن القراءة العلمية الرصينة، المتبنية لمناهج تحليل الخطاب، والمعتمدة للقراءة المقاصدية، القائمة على احترام خصوصيات القرآن الكريم، واعتماد قواعد التفسير وأصوله، من شأنها أن تبرز تميز القرآن الكريم وفرادته، فهو كلام الله المعجز، الخارج عن معهود كتابات البشر، والذي لا يخضع لمعهود الوحدة التي يتعارف عليها البشر في الكتابة و التأليف، ومن ثم فإنه يتفرد بوحدة خاصة تتمثل في وحدة الأهداف والمقاصد، من حيث البناء الدلالي والمفاهيمي (الانسجام)، ومن حيث بناؤه التركيبي فإنه يتماسك بدمج الأدوات التركيبية مع الأساليب الفنية (الاتساق) هذه الخاصية التعبيرية و التواصلية و الجمالية التي يمتاز بها القرآن الكريم تجعل الإنسان في حيرة من أمره، إذ إنها ألغت ما تعارفنا عليه في عالم المعرفة اللسانية، ومناهج تحليل الخطاب من تفريق بين المستويات الصوتية والصرفية والتركيبية، والدلالية والأسلوبية والتداولية، ليتم تماسك النص / الخطاب القرآني على غير معهود البشر، و بطريقة مضمرة لا يمكن الكشف عنها إلا بعد إعمال العقل و النظر، وذلك سيرا على المنهج القرآني في التربية العلمية والفكرية.

إن ما نروم الكشف عنه في هذه الأطروحة هو الكيفية التي تم بها إبراز ذلكم الجهاز المفاهيمي المتمثل في العقيدة والشريعة، والأخلاق والسلوك، والمبادئ والقيم عبر قناة اللغة / النص / الخطاب، وما هي العلاقة القائمة بين هذه المضامين والأشكال اللغوية والتعبيرية التي حملتها إلى العالمين، و بمعنى آخر هل كلما انتقلنا من تصور أو مفهوم إلى تصور آخر كلما تغيرت معه اللغة / الأداة؟ و نقصد باللغة هنا جميع مستوياتها بدءا بالمستوى الصوتي، و مرورا بالمستوى التركيبي والجمالي / الأسلوبي، وانتهاء بالمستوى الدلالي و التداولي.

إن هذه التساؤلات كلها تولد سؤالا مركزيا هو محور هذه الأطروحة ألا و هو كيف يتم تحقيق التوازن بين مكونات النص / الخطاب القرآني و المخاطبين به؟ ثم كيف يتماسك النص، وكيف يحدث فيه الانسجام و الاتساق؟

إن الخطاب القرآني باعتباره نصا / خطابا لغويا يهدف إلى مخاطبة كل الناس، و حامل الخطاب هو الرسول الكريم ?، وهكذا فإن مرسل الخطاب هو الله ?، والمرسل إليهم هم الناس جميعا، و الرسالة هي القرآن الكريم، و أخيرا فإن الأداة التي صيغ بها الخطاب هي اللغة العربية، أما القناة التي مر عبرها الخطاب إلى العالمين فهو الرسول ?.

و يُطرح إشكال تبعا لما ذكرناه يتمثل في أن الرسالة لكي تكون قد وصلت فعلا إلى المرسل إليهم يتعين أن يقفوا على مضمونها، و أن يعرفوا محتواها معرفة تامة. و ما لم يتم ذلك فإن المرسل إليهم يكونون في حكم من لم يتوصل بالرسالة، وهنا يواجهنا مشكل النص / الخطاب القرآني و كونه أعلن بأنه ميسر مفسر لا يحتاج إلى بيان، يقولتعالى:

ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر

إذن لماذا نجد تراثا تفسيريا هائلا، و هل هناك تناقض بين النص / الخطاب القرآني و الواقع؟.

إن القرآن ميسر لا يحتاج إلى وسائط بينه وبين متلقيه من حيث التفاعل الوجداني، أما من حيث استنباط الأحكام النظرية والعملية، واستخلاص المفاهيم والتصورات، و المبادئ و القيم فإنه يحتاج إلى تدبر وتفكر وتأمل. والتدبر هو الفهم الذي يسهل التواصل بين المرسل و المرسل إليه، و هو الأداة التي تمكن من استخلاص الجهاز المفاهيمي الذي يكون مقومات الذات، و يثبت الهوية، و يقيم الحضارة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير