تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

5 - إن القرآن الكريم ليس مشرعا أمام مطلق القراءات، لذلك فهو لا يحتمل من القراءات إلا ما كان محققا لمقصد الوقوف على مضمون الرسالة أي على مراد الله تعالى من الخطاب القرآني. ومن ثم فإن القراءة الموافقة للخطاب القرآني، والموصلة إلى مراد الله تعالى هي القراءة المقاصدية، التي تتوفر فيها أسس التلقي الإيجابي، والمراعية لخصوصيات القرآن الكريم، والتي تظل نسبية محدودة في الزمان والمكان باعتبارها مجهودا بشريا.

6 - يقوم البناء الصوتي للقرآن الكريم على الإظهار باعتباره الأصل المحقق للتواصل وجمالية التعبير بالظهور. أما الإدغام فهو عارض يهدف إلى اقتصاد المجهود، وتحقيق الانسجام الصوتي ووضوح المعنى. وللإدغام وظيفة صرفية لأنه يعنى ببنية الكلمة بشكل جزئي، كما أن له وظيفة تركيبية ودلالية، و يعمل على تحقيق الانسجام بين الأصوات. مما يبين تعالق المستويات اللغوية، وأن الفصل بينها ليس حقيقة لغوية، بقدر ما تلجئ إليه الإكراهات التعليمية والعلمية.

7 - يفرض الانسجام الصوتي تحقيق توازنات صوتية في مواقف تعبيرية معينة، مع تحقيق مبدأ اقتصاد المجهود، والتأثير في المتلقي ببراعة وروعة الجرس الموسيقي الذي يتحقق بالأصل وما يطرأ عليه من عوارض تمشيا مع الموقف والمقام، رغبة ورهبة، وبيانا وهداية.

8 - يقوم الإيقاع الوزني بوظيفة الاتساق، المتمثل في الربط بين مكونات النص/ الخطاب القرآني، وبوظيفة الانسجام بما يشيعه من توازن صوتي ـ تام وغير تام ـ يسهم في تشكيل الإيقاع القرآني، مع مناسبة الإيقاع للمقام و السياق. وقد وظف البيان القرآني آليات متعددة لتحقيق التوازنات الصوتية، كالتكرير والتوقع، والإضافة والفاصلة، والحركات والإتباع، والتقديم والتأخير، والحذف والجناس والطباق.

9 - استخدم البيان القرآني المكون الصرفي لتحقيق الاتساق والانسجام بين مكوناته، ليجعل من القرآن الكريم منظومة متكاملة، لا يمكن فهم إحدى جزئياته إلا في إطاره الكلي، و مما تجدر الإشارة إليه وجود علاقة تكامل بين الصيغة والسياق والمقام في الدلالة على زمن الفعل. كما أن الصيغ تم اختيارها بدقة متناهية لتناسب السياق والمقام، وتحقق الإيجاز، وجمالية العرض، فضلا عن الربط المحكم بين مكونات الخطاب القرآني.

10 - إن الفعل القرآني مستقبلي وأبدي معجز، حيث يدل على الزمن المطلق، فالماضي يستعمل للدلالة على المستقبل الذي لم يحدث بعد، كالأفعال التي تتحدث بصيغة الماضي عن مشاهد يوم القيامة.

11 - عندما يتحدث الخطاب القرآني عن أمر فيه شدة وقوة، أو بعضه أشد من الآخر، فإن الأمر الشديد أو الأشد يأتي بصيغة التذكير. وهناك أبعاد تداولية تتمثل في المقاصد التربوية، هي التي تحدد الصيغة المناسبة من حيث التذكير والتأنيث. مما يبين أن القرآن الكريم لم يتقيد بالقواعد الصرفية والتركيبية في المطابقة من حيث التذكير والتأنيث، وإنما سلك نهجا مقاصديا، يهدف إلى التبليغ والبيان والإقناع، وحمل المتلقي على التجاوب مع الخطاب القرآني، وهذا عنصر مهم يمثل جانبا من جوانب تميز القرآن الكريم وفرادته، والمتمثل في موافقة النموذج العربي وخرقه في الآن نفسه.

12 - إن المدخل لتدبر القرآن الكريم هو البنية التركيبية، فالقرآن الكريم يحتمل من المعاني بقدر ما يحتمل من المباني، ولذلك اتجهت عناية المفسرين إلى تحديد الإعرابات الممكنة للآيات القرآنية، لأنهم بصنيعهم ذلك يقيدون المعاني المطلقة للقرآن الكريم بطريقة علمية وموضوعية. ويشكل المستوى التركيبي عاملا مهما من عوامل تماسك الخطاب القرآني، فالعلاقات التركبية هي وشائج شكلية ناظمة لكل مكونات الخطاب القرآني من جهة، ومحددة معانيه من جهة أخرى، باعتبار المعنى الأساس يكمن في البنية التركيبية العميقة، التي يمكن الوصول إليها عن طريق دراسة البنية السطحية وما طرأ عليها من تحويلات، حيث الانتقال من المستوى الوصفي إلى المستوى التأويلي، بغية فهم الخطاب القرآني، واكتشاف آليات اتساقه وانسجامه. وقد استعمل المفسرون هذه التقنية منذ التفاسير الأولى لتحديد مراد الله تعالى من الخطاب القرآني من جهة، ولإدراك مظاهر الإعجاز في القرآن الكريم من جهة أخرى.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير