تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تاسعاً: تنوعت الاستدراكات باعتبار قائليها, وموضوعاتها, وأغراضها في تفاسير السلف تنوُّعاً ظاهراً, فبالنظر إلى قائليها كان منها الاستدراكات النبويَّة, واستدراكات الصحابة على بعضهم, وعلى قولٍ مُطلَقٍ لم يُعَيَّن قائِلُه, وعلى التابعين. وكذا استدراكات التابعين على الصحابة, وعلى بعضهم, وعلى قولٍ مُطلَقٍ, وعلى أتباعهم. ثم كانت استدراكات أتباع التابعين على سَنَنِ استدراكات التابعين.

وكان من موضوعاتها الاستدراكات في القراءات, وفي الاسرائيليات, وفي معاني الآيات وأحكامها, وما يتبع ذلك.

عاشراً: دارت أغراضُ الاستدراكات في التفسير بين غرضين رئيسيين:

الأول: رَدُّ القول المُستَدرَك عليه وإبطاله, وإصلاح خطئِه, مع بيان وجه نقده واعتراضه أحياناً.

والثاني: تكميلُ نقصِ القول المُستَدرَك, وإزالة لَبْسِه, وتوجيه السامع إلى معنىً أولى منه لوجه من وجوه الترجيح التي تُذكَر أحياناً.

إحدى عشر: تمَيَّز هذا النوع من أنواع بيان علم التفسير باشتماله على جُملَةٍ وافِرةٍ من أصوله ومسائله, بل تعَدَّى أثرُه ليشمل عامَّة أصول ومسائل علم التفسير, على تفاوتٍ في وضوح ذلك وخفائه في كُلِّ موضع.

اثنى عشر: أبرزَ البحثُ أثر استدراكات السلف في التفسير على أربعة فروع من علوم التفسير, وهي:

1 - قواعد الترجيح في التفسير, وهي وإن لم تكن بهذا الوضوح والتنصيص في تفاسير السلف إلا أنها معتمدهم ومرجعهم في الترجيح والاختيار, وسبيل معرفة هذه القواعد الترجيحية من أقوال السلف ليس بقريب؛ لحاجته إلى استقراء أقوالهم وردودهم, ثم استخراج هذه القواعد منها. وقد قَرَّبَت الاستدراكاتُ هذه القواعدَ وأبرزتْهَا, وساهمت في حصر وجوهها وأنواعها- ما بين وجوه ترجيح أصليَّةٍ أوَّلِيَّة, وفرعيَّة ثانوية-, وما يُعتَبَرُ منها, وجعلتها في مُتناوَل المفسرين بعدهم في كل زمان؛ جمعاً وتدويناً, وتنقيحاً وتطبيقاً.

2 - أسباب الخطأِ في التفسير, إذ تَضَمَّنت الاستدراكاتُ إشاراتٍ تُبيِّن عدداً من هذه الأسباب, والتي بلغت أربعةً وعشرين سبباً, تتفرَّع في جُملَتِها عن أمرين رئيسيَّين:

الأول: القُصُورُ في أهْلِيَّةِ المُفَسِّرِ, وعدم تمكنه من تحقيق ما هو بصدده.

والثاني: القُصُورُ في تَطْبِيقِ القَواعِدِ الشَّرعِيَّةِ والعِلْمِيَّة الحَاكمةِ لهذا العِلم, والضابطةِ لأصوله, والمبيِّنةِ لمنهجه في البيان والاختيار والترجيح.

وكان من أثر الاستدراكات في هذا الجانب إبرازه, وبيان مدى اهتمام مفسري السلف بالإشارة إليه تصريحاً وتلميحاً, ودِقَّتهم في تحديده في كل موضع, مع حسن الإشارة والأدب في تنبيه من وقع فيه, والزجر والإغلاظ على من استحقه من معاند أو مكابر. كما بَيَّن البحث أن هذه الأخطاء كانت أصول وبذور كُلِّ خطأٍ وانحراف حدث بعد ذلك في التفسير.

3 - أسباب الاختلاف في التفسير, فقد تَبَيَّن من النظر في مجموع الاستدراكات عِدَّةَ أسبابٍ للاختلاف, ترجع على وجه العموم إلى جهتين: الأولى: المُفَسِّر. والثانية: الآيات القرآنية لفظاً ومعنىً. وقد أمكن حصرُ هذه الأسباب في ثمانية أوجه, كُلُّها أسبابٌ معتبرة, وليس فيها خلافٌ مبعثه جهلٌ أو هوى, وأكثرها راجعٌ إلى أمرين:

أوَّلهُمَا: احتمال العموم أو الخصوص.

وثانِيهِما: احتمال اللفظ لأكثرَ من معنى.

وهُما سببان مُتَعَلِّقان بالمُفرَدَةِ القرآنيَّةِ, ودلالاتِها المُتعدِّدَة بحسب وضعها- لُغَةً وشرعاً وعُرفاً-, وسياقها- زماناً ومكاناً-.

4 - التفسير بالرأي, وهو: اجتهادُ المفسِّر في فََهم القرآن وبيان معانيه بعد فِكرٍ وتأمُّلٍ. وقد اتَّضَحَ أثر الاستدراكات في التفسير على هذا الجانب من جِهَةِ بيان ما يدخله الرأي من التفسير, وأنواع الرأي, وما يُقبَلُ منه وما يُرَدّ, وبيان أَهَمِّ أسباب رَدِّه. وقد كان تفسير السلف بالرأي محصوراً في ما يصحُّ فيه إعمال الرأي والنظر, ثُمَّ التزم تفسيرهم بالمحمود من الرأي؛ وهو ما استند إلى علم صحيح, وتَبَيَّن أن الرأيَ المُخالف للعربية وللأدلة الشرعية رأيٌ مذموم, وأن موافقة العربية في ألفاظها وأساليبها, والأصول الشرعية وأدلَّتها, شرطانِ مُهِمَّان في صِحَّة الرأي المُفَسر به وقبوله, والعلم بِهِما هو ما يحتاجه المُفسر من العلوم, وبالقدر الذي تتبَيَّنُ له به معاني الآيات بلا نقصٍ أو

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير