ورد لفظ الصد في القرآن الكريم بمشتقاته ثلاثا وأربعين مرة، في اثنتين وأربعين آية، منها تسعة عشر آية مكية، وثلاث وعشرون آية مدنية. وورد ذلك في أربع وعشرين سورة، منها اثنتا عشرة سورة مدنية، واثنتا عشرة أخرى مكية. وقد جاء بصيغ مختلفة. وجاء في سياقات متعددة، مسندا إلى فئات مختلفة، دالاً على معان متنوعة، والمعاني التي وردت منه في القرآن هي:
1. الاعراض والعدول قال تعالى: چ چ ? ? ? ? ? ? ?چ ().
2. المنع والصرف قال تعالى: چ ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? چ ().
3. العج والضج قال تعالى: چ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?چ ().
4. التعرض والمقابلة قال تعالى: چ ? ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹچ ().
5. التصفيق قال تعالى: چ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ?? چ ().
6. شراب أهل النار قال تعالى: چہ ھ ھ ھ ھ ے ے ? چ ().
وقد تقدم أن هذه المعاني كلها تعود إلى الإعراض والمنع.
والخلاصة أن معاني كلمة "الصد" الواردة في القرآن، تطابق معانيها الأساسية في اللغة، إلا أن هناك بعض المعاني اللغوية الفرعية لهذه الكلمة لم ترد في القرآن، كما أن هناك توسعة لبعضها في القرآن، حيث ورد فيه الصديد لما يطعمه أهل النار، على سبيل التمثيل، إظهارا لقبحه وبشاعته. وقد قيل: هو "ما يسيل من جلود أهل النار، واشتقاقه من الصدّ، لأنه يصدّ الناظرين عن رؤيته أو تناوله" (). فيكون معناه حينئذ مطابقا للمعنى اللغوي.
سبيل الله في القرآن:
جاء الصدُّ في أكثر آيات القرآن الكريم مقترنا بسبيل الله، إما صريحا أو ضمنا. وقد اقترن بها صريحا في خمسة وعشرين موضعا، وجاء مقترنا بها ضمنا في عشرة مواضع، إضافة إلى ثلاثة مواضع جاء مقترنا بالمسجد الحرام ليدل على الصد عن الصلاة فيه وعن الحج والعمرة. أما الأربعة الباقية فهي أمور لغوية بحتة.
وسبيل الله في القرآن هو: دينه الذي أمر باتباعه للوصول إلى مرضاته. وقد أطلق السبيل على دين الله؛ فإن المتبع لدين الله يصل به إلى بغيته الدنيوية والأخروية، فشبه بالطريق الموصل الإنسان إلى ما يقصده. وهو يشمل "كل عَمل خالِصٍ سُلك به طَريق التقرُّب إلى اللّه تعالى بأداءِ الفَرَائض والنَّوافل وأنْواع التَّطوعُّات" ()؛ ولذلك فُسِّرَ بالدين، والإسلام، والإيمان، والجهاد، والحج والعمرة، والهجرة، وكل ما هو بر وطاعة لله عز وجل، على عادة المفسرين من السلف بتفسير الآية على بعض ما تصدق عليه تمثيلا.
وقد لخص صاحب المنار كل ذلك بقوله: "فإن سبيل الله هي طريق معرفته الصحيحة وعبادته القويمة التي ترضيه" (). وهو تلخيص جيد؛ لأن كل ما تقدم يرجع إلى هاتين النقطتين: الإيمان الصادق والعبادة الصحيحة. ومن ذلك يظهر أن سبيل الله في القرآن يراد به كل ما هو من دين الله وشرعه، و كل سبيل من سبل الخير التي شرعها الإسلام.
الصد عن سبيل الله:
أما (سبيل الله) في الآيات التي ورد فيها الصد عنها فالمراد بها: الإسلام، والإيمان بالله تعالى، والتصديق برسله، واتباع دينه، والالتزام بمنهجه. فالصد عن سبيل الله يعني منع الناس من قبول دين الله كمنهج للحياة، والاستقامة على ذلك.
الفصل الأول: الصادون عن سبيل الله:
ذكر القرآن الكريم أصنافا أربعة ممن يصدون الناس عن سبيل الله، وهم: النفس، والشيطان، والكافرون، والمنافقون.
أما ما يتعلق بصد النفس عن سبيل الله فإنه عند ما يرد فعل الصد عن سبيل الله قاصرا غير متعد أي: من غير ذكر المفعول به يكون المعنى أن من أسند إليه الصد عن سبيل الله قد امتنع عن سلوك سبيل الله من غير أن غير أن يجبره أحد على ذلك أو يطلبه منه، أي: أن نفسه ركنت إلى الشيطان، وسكنت إلى الشهوات؛ فعزَّت عليها طاعة الله تعالى والتزام أوامره وسلوك سبيله، فصدته عن ذلك. وقد ورد فعل الصد قاصرا غير متعد في ثلاث آيات من القرآن الكريم، ليدل على أن الصادين عن سبيل الله في هذه الحالا أعرضوا عن سلوك سبيل الله دون أن يجبرهم أحد على ذلك، أي: أن نفسهم منعتهم من سلوك سبيل الله.
أما الشيطان فقد ورد إسناد فعل الصد إليه في ثلاث آيات من القرآن الكريم. وأما الكافرون ففيهم المشركون وأهل الكتاب، وقد أسند الصد عن سبيل الله إلى المشركين في أربعة عشر موضعا؛ كما أسند إلى أهل الكتاب في أربعة مواضع، وأسند إلى المنافقين في موضعين.
الفصل الثاني: أساليب الصد عن سبيل الله ووسائله:
¥