تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[سؤال في التثنية]

ـ[سعيد بنعياد]ــــــــ[31 - 08 - 2010, 04:50 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

-1 -

هذا سؤال طرحتُه في أحد المنتديات الأدبية:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كيف تُثنّى العبارت الآتية؟

1 - هذا امْرُؤٌ صالحٌ.

2 - رأيتُ امْرَأً صالحاً.

3 - مررتُ بامْرِئٍ صالح.

دمتم بخير.

-2 -

الجواب الذي يتبنّاه جلّ مؤلفي كتب الإملاء الحديثة هو:

1 - هذان امْرُؤان صالحان.

2 - رأيتُ امْرَأَيْن صالحَيْن.

3 - مررتُ بامْرِئَيْن صالحَيْن.

غير أني وجدتُ في نفسي شيئا من صحة هذا الجواب.

وقد جاء ردّ أستاذنا علي المعشي موافقا لما ذهبتُ إليه.

-3 -

للتوضيح، أقول:

من المعلوم أن لهذه الكلمة صيغتين:

الصيغة الأولى: (امْرُؤ) (بإسكان الميم، وتحريك الراء). وهي أفصح الصيغتين؛ إلا أنها لا تجوز إلا عند خلوّ الاسم من «ألْ». وفيها - كما ورد في «لسان العرب» وغيره - ثلاث لغات:

أولاها: بتحريك الراء بحركة الهمزة. يقال: «جاء امْرُؤٌ» «رأيْتُ امْرَأً» «مررتُ بامْرِئٍ». وهي أشهَرُ اللغات الثلاث، وبها وردت القراءات القرآنية المعتمدة.

والثانية: بفتح الراء مطلقا. يقال: «جاء امْرَأٌ» «رأيْتُ امْرَأً» «مررتُ بامْرَإٍ».

والثالثة: بضمّ الراء مطلقا. يقال: «جاء امْرُؤٌ» «رأيْتُ امْرُؤًا» «مررتُ بامْرُؤٍ».

والصيغة الثانية: (مرْء) (بتحريك الميم، وإسكان الراء). وإذا اقترن الاسم بِـ «ألْ»، لم يجُز سواها. وفيها لغتان:

*أُولاهُما: بفتح الميم دائما. يقال: «جاء مَرْءٌ» «رأيْتُ مَرْءًا» «مررتُ بمََرْءٍ». وهي أشهَرُ اللغتين؛ لإجماع قرّاء القرآن الكريم على فتح الميم في (المَرْء) المرفوعة والمجرورة،

* والثانية: بتحريك الميم بحركة الهمزة. يقال: «جاء مُرْءٌ» «رأيْتُ مَرْءًا» «مررتُ بمَِرْءٍ».

فسؤالي كان عن كيفية تثنية الكلمة، وفق اللغة الأُولى من الصيغة الأولى، وبالتحديد: عن كيفية تحريك الراء عند التثنية.

-4 -

وهذا جواب الأستاذ القدير علي المعشي:

(تقول على اللغة الأولى من الصيغة الأولى: هذان امرَآن صالحان، رأيتُ امرَأَين صالحين، مررتُ بامرَأَيْن صالحين، بفتح الراء في كلٍّ، لأن ألف التثنية وياءها تقتضيان فتحَ ما قبلهما، وما قبلهما هنا هو الهمزة، فلما لزم فتح الهمزة فُتحت الراء قبلها وفقا لهذه اللغة التي تتحرك فيها الراء بحركة الهمزة بعدها).

-5 -

أقول، وبالله التوفيق:

تتميز «امرُؤ» - على اللغة المشهورة – بخاصية عجيبة. فالإعراب لا يؤثر في حرفها الأخير فقط، بل في الذي قبله أيضا؛ بمعنى: أن الراء تتبع الهمزة في حركتها، فيقال: «هذا امرُؤٌ» «رأيتُ امرَأً» «مررتُ بامرِئٍ».

وثمة كلمة أخرى تتميز بالخاصية العجيبة نفسها، وهي: «ابْنُمٌ»، ومعناها: «أبْنٌ»، وزيدت فيها الميم للمبالغة والتوكيد. فالنون هنا تتبع الميم في حركتها، فيقال: «هذا ابنُمُك» «رأيتُ ابنَمَك» «مررتُ بابنِمِك».

ولكن ما مثنى «امرِئٍ»؟

بحثتُ كثيرا، فوجدتُ الكتب الحديثة – ولا سيما المصنفة في علم الإملاء – تكاد تُجمع على القول: «هذان امرُؤان» «رأيتُ امرَأَيْن» «مررتُ بامرِئَيْن».

وقد كِدتُ أصدق هذا الكلام، لولا أني فوجئتُ بأبي العلاء المعري يقول في «رسالة الملائكة» [ص 153، بتحقيق محمد سليم الجندي]:

(فأما قولهم: «ابْنُمٌ»، فإنهم زادوا الميم في آخره. وهو يُتْبِعون ما قبلها حرَكتَها؛ فيضمون النون إذا كانت الميم مرفوعة، ويفتحونها في حال النصب، ويكسرونها في حال الجر، ويُجْرُونها مجرى «امْرِئٍ» في الوجوه الثلاثة. فإذا ثَنَّوْا لَزِموا الفتحة؛ لأن الميم يَلْزَمها الفتح، لكونها قبل ألف التثنية ... ).

قلت: وقياسا على هذا، ينبغي أن نُلْزِم راءَ «امرِئٍ» الفتح عند التثنية، لأن الهمزة يَلْزَمها الفتح، لكونها قبل ألف التثنية أو يائها؛ فنقول: «هذان امرَآنِ» «رأيتُ امرَأَيْنِ» «مررتُ بامرَأَيْنِ».

ويؤيده: لزوم فتح الراء في المؤنث مطلقا، تبعا لفتح الهمزة. يقال: «هذه امرَأَةٌ» «رأيتُ امرَأَةً» «مررتُ بامرَأَةٍ». ولو كانت العبرة بالموقع الإعرابي، لا بحركة الهمزة، لوجب أن يُقال: «هذه امرُؤَةٌ» «رأيتُ امرَأَةً» «مررتُ بامرِئَةٍ».

كما يؤيده: قولهم في النسبة، إذا احتفظوا بسكون الميم: «امْرِئِيٌّ»، بكسر الراء، تبعا لكسر الهمزة. ولو كانت العبرة بالموقع الإعرابي، لا بحركة الهمزة، لوجب أن تتغير حركة الراء بتغيُّر حركة ياء النسبة.

وقد جاء جواب الأستاذ المعشي مؤيدا لما سبق، فلله الحمد والمنة.

وعلى هذا، ينبغي فتح الراء في الأمثلة الآتية:

* في حديث (لا يصلُح الكذب إلا في إحدى ثلاث: رجل يكذب على امرأته ليصلح خلقها، ورجل يكذب ليصلح بين امرَأَيْن مسلمين، ورجل كذب في خديعة حرب فإن الحرب خدعة).

* في حديث (لا يموت بين امرَأيْن مسلمين ولدان أو ثلاثة فيصبران أو يحتسبان فيَرِدَان النارَ أبدا).

* في قول زهير:

يطلُب شَأْوَ امرَأَيْن قدّما حسَنًا ... نالا الملوك وبَذّا هذه السُّوَقا

-6 -

بقي إشكال أخير:

جاء في «المزهر» للسيوطي [ج 2/ ص 200، بتحقيق محمد أحمد جاد المولى بك، وعلي محمد البجادي، ومحمد أبي الفضل إبراهيم]:

(وفي فصيح ثعلب: يقال امرؤ وامرؤان وامرأة وامرأتان، ولا يجمع على لفظه).

فقد رسمت الهمزة في المثنى على الواو، وهذا يوهم أن الراء مضمومة.

لكني أرجح هنا أن الكلمة رسمت في الأصل المخطوط على الطريقة القديمة: «امْرَءانِ»، بهمزة على السطر، وكان هذا يدل على أن الراء مفتوحة. فأراد محققو الكتاب رسمها على الطريقة الحديثة، فظنوا أن الراء مضمومة، فرسموها: «امْرُؤانِ».

وبالرجوع إلى «كتاب الفصيح» لثعلب [ص 314، بتحقيق د. عاطف مدكور]، وجدت ما يلي:

(وتقول: امرؤ وامرآن [وقَوْمٌ]، وامرأة وامرأتان ونسوة. فإذا أدخلت الألف، قلت: المرء والمرأة).

فقد رسمت الكلمة بالطريقة الحديثة الصحيحة. والراء مفتوحة لا محالة.

فتأكّد بذلك خطأ محققي كتاب «المزهر».

دمتم بكل الخير.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير