وبعد، فهذا ما أردت التنبيه إليه في هذا المقام، وأسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يهدينا وسائر المسلمين إلى الحق وأن يجنبنا الزيغ والضلال والشك، وأن يغفر لنا جميعاً ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا ويثبت أقدامنا وأن لا يؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، إنه سميع مجيب،
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وكتب:
سمير بن خليل المالكي الحسني المكي
مكة المكرمة 12/ 1 / 1425هـ
ـ[محمد الثقفي]ــــــــ[04 - 03 - 04, 11:44 ص]ـ
المسألة الثالثة
مذهب السلف في الصفات من أيسر المذاهب فهماً وإدراكاً، فهو بعيد عن التعقيدات الكلامية التي لا يفهمها إلا من حذق فيها، وهم أقل من القليل. فأنت إذا سألت أمياً من عامة الناس وقلت له ماذا تفهم من سماعك لقول الله تعالى [أأمنتم من في السماء] وقوله [إليه يصعد الكلم الطيب] وغيرها من النصوص، لقال: أفهم أن الله في السماء في العلو، ولا يتعدى فهمه هذا، وهو عين ما صرَّح به علماء السلف، وهو الذي يقوله كل من لم يتدنس قلبه بشبهة المخالفين، فاستوى العالم والأمي في فهم ذلك وتقريره. وقل مثله في سائر النصوص المحكمة، التي جاء فيها ذكر الاستواء والوجه والعين واليد والضحك والنزول والمجيء وغيرها.
فمذهب السلف موافق للفطرة التي لم يؤثر عليها مؤثر خارجي مما يثيره المخالفون ويبثونه في أسماع وقلوب العامة. فالعجب ممن يؤثر مذاهب معقدة الألفاظ، لا يكاد يفهمها إلا شذاذ الناس، وهم مع ذلك من أكثر الناس شكاً وحيرة واختلافاً، ثم يرمون غيرهم بدائهم، فيزعمون أن مذهب السلف يورث الشك والحيرة ويوهم التشبيه والتجسيم ... سبحانك هذا بهتان عظيم.
يدلك على هذا رجوع بعض فضلائهم وأكابرهم عن كثير من أقوالهم ومخالفاتهم، واضطراب بعضهم في أقوالهم، فيتردد محتاراً بين الإثبات تارة، والتعطيل تارة أخرى [مذبذبين بين ذلك]. وشواهد ذلك أكثر من أن تحصر.
•فهذا إمامهم ومقدَّمهم، أبو الحسن الأشعري، ظل زمناً طويلاً على مذهب المعتزلة ينافح عنه، ثم انتقل عنه إلى مذهب ابن كُلاَّب وناظر المعتزلة، ثم استقر أخيراً على مذهب قريب من مذهب السلف، كما صرح بذلك في آخر مصنفاته في "الإبانة" و"الموجز" و"المقالات".
وأكثر المخالفين ينكر رجوع أبي الحسن الأشعري ويكذب به، ويزعمون أن كتاب " الإبانة" وغيره منسوب إليه، وأن السلفيين يتقولون عليه.
والرد على هؤلاء سهل يسير، فأسوق لهم كلام السبكي، وهو من كبار الأشاعرة، حيث قال في طبقات الشافعية في ترجمة أبي الحسن الأشعري [3/ 405] ((وما نقموا من الأشعري إلا أنه قال بإثبات القدر لله، خيره وشره ونفعه وضره، وإثبات صفات الجلال لله، من قدرته وعلمه وإرادته وحياته وبقائه وسمعه وبصره وكلامه ووجهه ويده، وأن القرآن كلام الله غير مخلوق ... )) الخ. وقال في [3/ 417] ((ومذهبه أن الله تعالى أفرد موسى في وقته بأن أسمعه كلام نفسه بغير واسطة ولا على لسان رسول)).
قال سمير: وقد اشتهركذلك رجوع الجويني والرازي والشهرستاني في آخر حياتهم، وانظر إن شئت كلام الحافظ في الفتح [13/ 350] وسير الذهبي [18/ 468] و [20/ 286] و [21/ 500].
المسألة الرابعة
يظن بعض طلبة العلم السلفيين أن معرفة عقيدة السلف تدرك بقراءة المختصرات المشهورة، كالواسطية والطحاوية ونحوها، وأن حفظها أو فهمها يكفيه ويغنيه عن قراءة غيرها. وهذا غير صحيح، إذ ليس في هذه المختصرات إلا القواعد العامة والأصول الجامعة لمسائل الاعتقاد، وقد ساق الإمام اللالكائي نصوصاً جامعة لبعض مشاهير الأئمة السابقين، كالإمام أحمد والبخاري وابن جرير الطبري وغيرهم، وليس فيها إلا الأصول التي خالف فيها المتكلمون، في القدر والصفات والصحابة ونحو ذلك، أما العقيدة نفسها فهي النصوص المروية في القرآن والسنة والآثار. فعقيدة السلف مبناها على الرواية، لأنها عقيدة الإثبات.
وهناك مصنفات كثيرة مفردة في ذكر نصوص الاعتقاد، سوى المصنفات الجامعة للسنن، فينبغي لمن أراد معرفة مذهب السلف إدامة النظر في تلك المرويات، ودراسة تلك المصنفات.
المسألة الخامسة
¥