عنهم تتبع الآثار المكانية والعينية والاهتمام بها وتشييدها أو عمل مزارات. يقول
الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -: «ومعلوم أن أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم - ورضي الله عنهم - أعلم الناس بدين الله وأحب الناس لرسول الله
صلى الله عليه وسلم وأكملهم نصحاً لله ولعباده ولم يحيوا هذه الآثار، ولم يعظموها،
ولم يدعوا إلى إحيائها .. ولو كان إحياؤها أو زيارتها أمراً مشروعاً لفعله النبي
صلى الله عليه وسلم في مكة وبعد الهجرة أو أمر بذلك أو فعله أصحابه أو أرشدوا
إليه .. » [6].
ومما يدل على ذلك:
1 - موقفهم من الآثار الموجودة في مكة و المدينة وبيت المقدس: فلم يعرف
أن أحداً منهم زار تلك الآثار أو تتبعها وأمر بتشييدها، بل كانوا يسدون هذا الباب؛
فإن المسلمين لما فتحوا تُستَر، وجدوا هناك سرير ميت باق ذكروا أنه «دانيال»
ووجدوا عنده كتاباً فيه ذكر الحوادث، وكان أهل تلك الناحية يستسقون به، فكتب
في ذلك أبو موسى الأشعري إلى عمر، فكتب إليه أن يحفر بالنهار ثلاثة عشر قبراً،
ثم يُدفَن بالليل في واحد منها ويعفَّى قبره؛ لئلا يفتتن الناس به [7] ولذلك يقول
شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: «لم تَدَعِ الصحابة في الإسلام قبراً ظاهراً
من قبور الأنبياء يفتتن به الناس؛ ولا يسافرون إليه ولا يدعونه، ولا يتخذونه
مسجداً؛ بل قبر نبينا صلى الله عليه وسلم حجبوه في الحجرة، ومنعوا الناس منه
بحسب الإمكان، وغيره من القبور عفوه بحسب الإمكان؛ إن كان الناس يفتتنون به،
وإن كانوا لا يفتتنون به فلا يضر معرفة قبره .. » [8].
وفي بعض الأحايين تحصل مناسبة لزيارة تلك الأماكن الأثرية ومع ذلك لا
يزورونها كما حصل لعمر ابن الخطاب وابنه عبد الله - رضي الله عنهما - فقد
زارا بيت المقدس ولم يأتيا الصخرة ولا غيرها من البقاع [9]، بل إذا خشيت الفتنة
أمروا بإزالتها كما أمر عمر بقطع الشجرة التي حصلت تحتها بيعة الرضوان.
2 - وجود الأهرامات في مصر: فبعد دخول الفتح الإسلامي بقيادة عمرو بن
العاص - رضي الله عنه - لم تذكر كتب التراجم والسير والتاريخ أن أحداً منهم
زار تلك الأهرامات مع أنها تعتبر معلماً من معالم مصر فضلاً عن الاهتمام بها
وتشييدها.
وكم هم العلماء الذين رحلوا إلى مصر لطلب العلم والحديث!! فهل نقل أن
أحداً منهم زار تلك الآثار؟!! فهذا الإمام الشافعي و العز بن عبدالسلام و ابن
خزيمة و أبو حاتم وغيرهم كثير .. وقد سئل الزركلي عن الأهرام وأبي الهول
ونحوها: «هل رآها الصحابة الذين دخلوا مصر؟ فقال: كان أكثرها مغموراً
بالرمال ولا سيما أبا الهول» [10].
بل إن كثيراً من هذه الآثار لم تكتشف إلا أخيراً؛ فمعبد أبي سمبل مثلاً الذي
يعد من أكبر معابد الفراعنة كان مغموراً بالرمال مع تماثيله وأصنامه إلى ما قبل
قرن أو نصف قرن تقريباً، وأكثر الأصنام الموجودة في المتاحف المصرية في هذا
الوقت لم تكتشف إلا قريباً.
«ومما يدل دلالة واضحة على عدم الاهتمام بها أن بعض تلك الآثار يعلو
عليها التراب، يقول ياقوت الحموي: وفي سفح أحد الهرمين صورة آدمي عظيم
مصبغة وقد غطى الرمل أكثرها» [11] مما يدل على أنها مهملة.
وأشد من ذلك صدور محاولات عدة من الولاة لهدمها كالمأمون [12] والملك
العزيز الأيوبي [13]. وقد ذكر ابن خلدون أن الخليفة الرشيد حاول كسر إيوان
كسرى على ضخامته مع أن بعضهم أشار عليه بتركه؛ لا من أجل التفاخر به؛
ولكن من أجل أن يستدل به على عظم ملك آبائه الذين سلبوا الملك لأهل ذلك
الهيكل [14]؛ ومع ذلك لم يستجب فقام بمحاولة تكسيره - رحمه الله -.
وقال أبو علي الأوقي: سمعت أبا طاهر السِّلَفي [15] يقول: «لي ستون سنة
بالإسكندرية ما رأيت منارتها إلا من هذه الطاقة، وأشار إلى غرفة يجلس
فيها» [16]. مع أنها معلم من معالم الإسكندرية.
ولكن بدأ هذا النوع ينمو ويسري في بلاد المسلمين كلها وهو: العناية بالآثار،
وعمل المزارات لها وارتيادها، والاهتمام بها، والحفاظ عليها، بل هذا يعتبر من
أبرز اهتمامات وزارات السياحة، وإدارات الآثار.
بيان أن الاهتمام بالآثار من عادة غير المسلمين:
¥