تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أحدهما: كلام عام في لفظ "الحقيقة والمجاز". فإن تقسيم الألفاظ الدالة على معانيها إلى "حقيقة ومجاز"، وتقسيم دلالتها أو المعاني المدلول عليها إن استعمل لفظ الحقيقة والمجاز في المدلول أو في الدلالة؛ فإن هذا كله قد يقع في كلام المتأخرين، ولكن المشهور أن الحقيقة والمجاز من عوارض الألفاظ، وبكل حال؛ فهذا التقسيم هو اصطلاح حادث بعد انقضاء القرون الثلاثة، لم يتكلم به أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان، ولا أحد من الأئمة المشهورين في العلم؛ كمالك والثوري والأوزاعي وأبي حنيفة والشافعي، بل ولا تكلم به أئمة اللغة والنحو؛ كالخليل وسيبويه وأبي عمرو بن العلاء ونحوهم.

وأول من عُرف أنه تكلم بلفظ "المجاز" أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتابه، ولكن لم يعن بالمجاز ما هو قسيم الحقيقة، وإنما عنى بمجاز الآية ما يعبر به عن الآية، ولهذا قال من قال من الأصوليين - كأبي الحسين البصري وأمثاله - أنها تُعرف الحقيقةً من المجاز بطرق، منها نص أهل اللغة على ذلك بأن يقولوا: هذا حقيقة وهذا مجاز؛ فقد تكلم بلا علم، فإنه ظن أن أهل اللغة قالوا هذا، ولم يقل ذلك أحد من أهل اللغة ولا من سلف الأمة وعلمائها، وإنما هذا اصطلاح حادث، والغالب أنه كان من جهة المعتزلة ونحوهم من المتكلمين، فإنه لم يوجد هذا في كلام أحد من أهل الفقه والأصول والتفسير والحديث ونحوهم من السلف.

وهذا الشافعي هو أول من جرد الكلام في "أصول الفقه"، لم يقسم هذا التقسيم ولا تكلم بلفظ "الحقيقة والمجاز"، وكذلك محمد بن الحسن له في المسائل المبنية على العربية كلام معروف في "الجامع الكبير" وغيره ولم يتكلم بلفظ الحقيقة والمجاز، وكذلك سائر الأئمة لم يوجد لفظ المجاز في كلام أحد منهم إلا في كلام أحمد بن حنبل؛ فإنه قال في كتاب "الرد على الجهمية" في قوله: "إنا، ونحن" ونحو ذلك في القرآن: هذا من مجاز اللغة، يقول الرجل: إنا سنعطيك، إنا سنفعل؛ فذكر أن هذا مجاز اللغة.

وبهذا احتج على مذهبه من أصحابه من قال: إن في "القرآن" مجازاً؛ كالقاضي أبي يعلى، وابن عقيل، وأبي الخطاب، وغيرهم، وآخرون من أصحابه منعوا أن يكون في القرآن مجاز؛ كأبي الحسن الخرزي، وأبي عبد الله بن حامد، وأبي الفضل التميمي بن أبي الحسن التميمي، وكذلك منع أن يكون في القرآن مجاز محمد بن خويز منداد وغيره من المالكية، ومنع منه داود بن علي، وابنه أبو بكر، ومنذر بن سعيد البلوطي وصنف فيه مصنفاً.

وحكى بعض الناس عن أحمد في ذلك روايتين، وأما سائر الأئمة؛ فلم يقل أحد منهم ولا من قدماء أصحاب أحمد: إن في القرآن مجازاً، لا مالك ولا الشافعي ولا أبو حنيفة؛ فإن تقسيم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز إنما أشتهر في المئة الرابعة، وظهرت أوائله في المئة الثالثة، وما علمته موجوداً في المئة الثانية اللهم إلا أن يكون في أواخرها، والذين أنكروا أن يكون أحمد وغيره نطقوا بهذا التقسيم قالوا: إن معنى قول أحمد: من مجاز اللغة؛ أي: مما يجوز في اللغة أن يقول الواحد العظيم الذي له أعوان: نحن فعلنا كذا، ونفعل كذا، ونحو ذلك. قالوا: ولم يرد أحمد بذلك أن اللفظ استعمل في غير ما وضع له.

وقد أنكر طائفة أن يكون في اللغة مجاز، لا في القرآن ولا غيره؛ كأبي إسحاق الإسفراييني، وقال المنازعون له: النزاع معه لفظي، فإنه إذا سلم أن في اللغة لفظاً مستعملاً في غير ما ُوضع له لا يدل على معناه إلا بقرينة؛ فهذا هو المجاز وإن لم يسمه مجازاً، فيقول من ينصره: إن الذين قسموا اللفظ حقيقة ومجازاً قالوا: "الحقيقة" هو اللفظ المستعمل فيما وُضع له، "والمجاز" هو اللفظ المستعمل في غير ما وُضع له؛ كلفظ الأسد والحمار إذا أريد بهما البهيمة أو أريد بهما الشجاع والبليد، وهذا التقسيم والتحديد يستلزم أن يكون اللفظ قد وُضع أولاً لمعنى، ثم بعد ذلك قد يستعمل في موضوعه وقد يستعمل في غير موضوعه، ولهذا كان المشهور عند أهل التقسيم أن كل مجاز؛ فلا بد له من حقيقة، وليس لكل حقيقة مجاز، فاعترض عليهم بعض متأخريهم وقال: اللفظ الموضوع قبل الاستعمال لا حقيقة ولا مجاز، فإذا استعمل في غير موضوعه؛ فهو مجاز لا حقيقة له.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير