[بين أول آية .. وآخر آية .. !]
ـ[أبو القاسم المقدسي]ــــــــ[20 - 09 - 06, 01:05 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أول آية نزلت في كتاب الله على رأي جماهير العلماء هي قوله تعالى"اقرأ باسم ربك الذي خلق"1 - العلق
وآخر آية على الراجح كذلك"واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون"281 - البقرة
بعد تأمل للآيتين معا .. إليكم هذا البحث المختصر ..
*ذكر الرب في الآية الأولى دليل على توحيد الربوبية .. وذكر "الله" في الآية الثانية دليل على توحيد الألوهية .. وهذا مناسب للمقام لأن الأولى مكية .. فيناسبها بيان الربوبية بما في ذلك من معاني التربية للرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم ولأمته .. تمهيدا .. لإظهار الدين ونشره والقيام به .. وهذا من توحيد الألوهية .. منسجما مع كون الآية مدنية .. وأن الأمة كانت قد نضجت وأقامت أمر الله
*الآية الأولى .. فيها الخطاب بالإفراد"ربك" .. ولشخص النبي صلى الله عليه وسلم والثانية بالجمع"اتقوا" .... وكان السابقون من الصحابة يقول أحدهم .. أمسيت وإني ربع الإسلام .. وخمس الإسلام .. أي أنه رابع أربعة من المسلمين وخامس خمسة .. ولكن في الآية الثانية ناسبها الجمع للخطاب للأمة .. أمة الممتثل لأمر الله الأول"اقرأ" كافة ..
*الآية الأولى فيها الأمر بالقراءة والعلم .. وفي الثانية الأمر بالتقوى .. وذلك أن العلم أول .. والتقوى متحصلة عن العلم ونتيجة له لأن العلم يقتضي العمل .. "فاعلم أنه لا إلا الله واستغفر لذنبك"
*في الأولى جاء الأمر "اقرأ" مجردا من عاطف قبله .. وفي الثانية .. سبق الأمر واو العطف ..
كأنه قال .. اقرأ .... قم فأنذر .. قل هو الله أحد .. أطعيوا الله ورسوله .. وأقيموا الصلاة .. وزكوا .. وجاهدوا .. و .. و .. و .. و ................ ...... و إلى قوله واتقوا .. وهي أعظم وصية لأن الأمر بالتقوى هي وصية الله لكل الأمم"ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله" فجاء ذكرها مناسبا أكثر من أي وصية أخرى .. لأنها جامعة للفضائل كلها
*الآية الأولى فيها ذكر الخلق وليس قبل الخلق إلا العدم .. والثانية فيها ذكر الوفاة "ثم توفى كل نفس" .. الذي بعده العدم .. فانظر إلى المقابلة في النظم القرآني يرحمك الله ..
*الآية الأولى فيها وصف الله بالإثبات"الذي خلق" .. والثانية وصفه بالنفي "و لا يظلمون" .. لأن نفي كون الناس مظلومين .. يقتضي نفي كون الله تعالى ظالما .. وهذا ديدن أهل السنة والجماعة .. إثبات الكمال وتنزيه عن النقائص
*الأولى جاء فيها قوله "باسم ربك" على وزن "فاعلاتن" وفي الثانية جاء قوله"كل نفس" على ذات التفعيلة"فاعلاتن" .. وكأنه يقول:كل نفس باسم ربك ..
*الآية الأولى .. جاءت بنسق درس معلم لطالب مبتديء"اقرأ بسم ربك الذي خلق" .. بمنزلة قول الأم لولدها "ادرس يا ولدي لتنجح" .. وهذا يناسب بداية العهد المكي .. والثانية جاء بنسق وصية مودع! "واتقوا" "ترجعون" "إلى الله" .. مع طولها قياسا للأولى .. وهذا لائق بانتهاء الوحي وقرب وفاة الأجل للرسول صلى الله عليه وسلم
*الآية الأولى فيها ذكر أن الله "خلق" .. وفي الثانية ذكر ما خلقه الله"كل نفس"
*الآية الأولى لو فتشت في حروفها ما تحصل لك جمع كلمة نفاق أو منافق .. ولكن حروف هذه الكلمة منثورة في الثانية .. والنفاق لم يكن في مكة .. وإنما ظهر في المدينة .. وكذلك "الأعراب" الذين هم أشد كفرا و"نفاقا" موجودة حروفها في الآية المدنية
*في الأولى ذكر من توحيد الأسماء والصفات"الذي هو ثالث أنواع التوحيد بعد الربوبية والألوهية" الشق المقتضي لتوحيد الألوهية وهو صفة الخلق .. فالله يقول "ألا له الخلق والأمر" .. والأمر من توحيد الألوهية .. وفي الثانية ذكر من توحيد الأسماء والصفات الشق المقتضي لتوحيد الربوبية حيث فيها إثبات المعاد والجزاء وهذا من توحيد الربوبية أن الله رب وسيد .. ويحاسب العباد بأعمالهم
*في الأولى .. جاء التصريح بذكر توحيد الأسماء بإثبات أن لله اسما"باسم" .. وفي الثانية .. جاء ذكر هذا الاسم صريحا .. وهو "الله" .. وحين يسأل أهل القبر من ربك .. يجيب المؤمن:ربي الله
*في الأولى حذف المفعول وبين الوسيلة, فلم يبين ماذا يقرأ .. "اقرأ" وكفى .. فأطلق القراءة وبين الكيفية والوسيلة "باسم ربك" .. وفي الثانية أثبت المفعول .. "يوما" وذكر الغاية .. وهي "توفى كل نفس ما كسبت"
*في الأولى .. تكرر حرف القاف مرتين .. للدلالة على القرآن .. وفي الثانية تكررت السين مرتين للدلالة على السنة التي كانت قد اكتملت قرب وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم
*في الآية الأولة عرف الرب بالاسم الموصول .. فقال اقرأ باسم ربك: الذي خلق ..
وفي الثانية لم يعرف "الله" لأنه كان قد عرف .. والمقام هنا ألوهية
*مخاطبته رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله "اقرأ" إثبات للرسالة بشخص "الرسول" .. وفي الآية الثانية إثبات الرسالة بذكر الذين أرسل إليهم هذا "الرسول" .. فنفي الظلم "وهم لا يظلمون" يقتضي أن الرسالة وصلتهم .. "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا"
* يأتي بعد الآية الأولى ثماني عشرة آية .. إلى نهاية تمام السور .. ويأتي بعد الآية الثانية خمس آيات إلى نهاية سورة
وحاصل المجوع ثلاثة وعشرون .. وهو زمن الرسالة
وحاصل الفرق ثلاث عشرة سنة .. زمن العهد المكي
قد يتراءى بعض التكلف لبعض القراء في بعض النقاط .. وقد يكون فيها دلالة وحق ..
فانظر يا رعاك الله .. ما أقصر الآيتين وما تفتق عنهما من علم .. وإن زعمت أن هذا كل ما فيهما .. أكون كاذبا ومفتريا معاذ الله ..
وإذا قلت إن القرآن بحر مازلنا على ساحله .. فهل أكون مبالغا حينها؟
¥