(( ... ومما ينبغي أيضا أن يعرف أن الطوائف المنتسبة إلى متبوعين في أصول الدين والكلام، على درجات: منهم من يكون قد خالف السنة في أصول عظيمة، ومنهم من يكون إنما خالف السنة في أمور دقيقة، ومن يكون قد رد على غيره من الطوائف الذين هم أبعد عن السنة منه فيكون محمودا فيما رده من الباطل وقاله من الحق، لكن يكون قد جاوز العدل في رده بحيث جحد بعض الحق وقال بعض الباطل، فيكون قد رد بدعة كبيرة ببدعة أخف منها، ورد بالباطل باطلا بباطل أخف منه، وهذه حال أكثر أهل الكلام المنتسبين إلى السنة- (الكلام هنا عن هذا الصنف) - ومثل هؤلاء إذا لم يجعلوا ما ابتدعوه قولا يفارقون به جماعة المسلمين، يوالون عليه ويعادون، كان من نوع الخطأ، والله سبحانه وتعالى يغفر للمؤمنين خطأهم في مثل ذلك، ولهذا وقع في مثل هذا كثير من سلف الأمة وأئمتها: لهم مقالات قالوها باجتهاد، وهي تخالف ما ثبت في الكتاب والسنة، بخلاف من والى موافقة، وعادى مخالفه، وفرق بين جماعة المسلمين، وكفر وفسق مخالفه دون موافقة في مسائل الآراء والاجتهادات، واستحل قتال مخالفه دون موافقة، فهؤلاء من أهل التفرق والاختلافات، ولهذا كان أول من فارق جماعة المسلمين من أهل البدع الخوارج ... )) الخ.
فحكمنا على هؤلاء انهم إذا لم يجعلوا ما ابتدعوه قولا يفارقون به أهل السنة، فيبدعون ويفسقون عليه، فخطأهم مغفور بإذن الله، وهم من أهل السنة والجماعة فيما عدا ما زلوا فيه، وينبغي بيان الحق والرد على ما خالفوا فيه أهل السنة، خاصة أن بعض تأويلات هؤلاء قد تروج على بعض الناس لإمامتهم في الفقه والحديث، كذلك -كما أشرنا من قبل- الانتساب للأشعري بدعة، لاسيما وأنه بذلك يوهم حسناً بكل من انتسب هذه النسبة، وتنفتح أبواب الشر أنظر مجموع الفتاوى (23)
الصنف الرابع:
صنف يعتبرون مقرري العقيدة، ومنظري الضلال باسم (الأشعري) -وهو منهم براء- مثل الجويني و الرازي (24) و الامدي (25) وأضرابهم من المتكلمين.
وحكمنا على هؤلاء أنهم من أهل البدع، وليسوا من أهل السنة والجماعة، وللآسف تجد المبتدعة يقدمون أسماء ابن حجر والنووي وغيرهم للتلبيس على الأغرار أن هذا هو مذهب هؤلاء الفضلاء، ثم إذا تورط أخرجوا له الأسماء الحقيقية مثل الرازي وغيره.
هذا اجتهادي في هذا التقسيم فإن كان صواباً فتوفيقاً من الله وإن خطأً فمن نفسي والشيطان والله تعالى أعلم وأحكم.
======
الحواشي:
(1) هو أبو علي محمد بن عبد الوهاب البصري، شيخ المعتزلة، ولد سنة 235 هـ ومات بالبصرة سنة 303 هـ أنظر في ترجمته "سير أعلام النبلاء" 14/ 183 و"البداية والنهاية" 11/ 134و"لسان الميزان" 5/ 271.
(2) يذكر السجزي في "الرد على من انكر الحرف والصوت" ص 168رواية عن خلف المعلم –أحد فقهاء المالكية- أنه قال: "أقام الأشعري أربعين سنة على الاعتزال، ثم أظهر التوبة، فرجع عن الفروع وثبت على الأصول" أي أصول المعتزلة التي بنوا عليها نفي الصفات.
(3) هو أبو محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب القطان، أحد أئمة المتكلمين، وصفه ابن حزم في الفصل 5/ 77 بأنه شيخ قديم للأشعرية، وقال عنه الجويني في الإرشاد ص119 إنه "من أصحابنا" توفي بعد الأربعين ومائتين بقليل أنظر في ترجمته "سير أعلام النبلاء" 11/ 174 و"طبقات السبكي"2/ 299 و"لسان الميزان" 3/ 291.
(4) وقيل أنه مر بثلاث مراحل آخرها رجوعه للعقيدة أهل السنة والجماعة أنظر للتفصيل موقف ابن تيميه من الأشاعرة 1/ 361 - 409
(5) قال ابن أبي زيد ناقلاً الإجماع على العقيدة السلفية: ((ومما أجمعت عليه الأمة من أمور الديانة ومن السنة التي خلافها بدعة وضلالة أن الله تبارك اسمه له الأسماء الحسنى والصفات العلى .... وأنه عز وجل كلم موسى بذاته وأسمعه كلامه لا كلاماً قام في غيره وأنه يسمع ويرى ويقبض ويبسط وأن يديه مبسوطتان والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة وأنه فوق سمواته على عرشه)) الجامع في السنن والمغازي والتاريخ ص107 - 108 الطبعة الثانية بيروت. كما قال ابن أبي زيد في مقدمة رسالتة: ((وأنه تعالى فوق عرشه المجيد بذاته وأن علمه في كل مكان)) الرسالة ص6 طبعة مصطفى البابي بمصر.
¥