يرى جسمه وبدنه بل يرى مثالاً له).
ثم نقل عن ابن العربي واستحسن قوله: (رؤية النبي صلى الله عليه وسلم بصفته المعلومة إدراك على الحقيقة ورؤيته على غير صفته إدراك للمثال) ثم قال السيوطي: (ولا يمتنع رؤية ذاته الشريفة بجسده وروحه؛ وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء أحياء ردت إليهم أرواحهم بعد ما قبضوا وأذن لهم بالخروج من قبورهم والتصرف في الملكوت العلوي والسفلي)!!.
أقول: إذا كان أرباب الأحوال الذين رآهم السيوطي - على كثرتهم - يقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يرى بروحه وجسمه بل يرى مثال له فقط، فكيف يدافع السيوطي عنهم ويخالفهم في الوقت نفسه؟
الوجه الثاني: أنهم اختلفوا أيضاً هل هذه الرؤية تكون بالقلب أو بالبصر؟
أشار السيوطي إلى ذلك ثم اضطرب اضطراياً شديداً حين قال في نفس المصدر: (أكثر ما تقع رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة بالقلب ثم يترقى إلى أن يرى بالبصر) فإلى هنا يبدو أنه قصد الجمع بين القولين، ثم قال: (لكن ليست الرؤية البصرية كالرؤية المتعارفة عند الناس من رؤية بعضهم لبعض، وإنما هي جمعية حالية وحالة برزخية وأمر وجداني …).
الوجه الثالث: أن بعض كبار الصوفية ينفي وقوع رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة.
فيقول أبو القاسم القشيري في "الرسالة القشيرية" (باب رؤيا القوم) (ص368): (وقال
بعضهم: في النوم معان ليست في اليقظة، منها: أنه يرى المصطفى صلى الله عليه وسلم والصحابة والسلف الماضين في النوم ولا يراهم في اليقظة) اهـ.
وقد يقول قائل: إن هذا نقله القشيري عن بعضهم ولا ندري هل هم من الصوفية أو من غيرهم؟
والجواب:
أ- أن القشيري نفسه من كبار الصوفية وقد نقل العبارة وأقرها.
ب- أنه لا ينقل في رسالته مثل هذا الكلام إلا عن الصوفية، حيث ذكر في مقدمة كتابه أنه إنما يذكر سير شيوخ التصوف وآدابهم .. وما أشاروا إليه من مواجيدهم، وأكده في الخاتمة.
الوجه الرابع: أن هذه العقيدة مخالفة لإجماع أهل السنة والجماعة وهي خاصة بأهل البدعة، قال ابن حزم في "مراتب الإجماع" (ص176): (واتفقوا أن محمداً عليه السلام وجميع أصحابه لا يرجعون إلى الدنيا إلا حين يبعثون مع جميع الناس).
الوجه الخامس: أنه يلزم من القول بإمكان رؤيته في اليقظة ووقوعها لوازم باطلة قد ذكرتها
أثناء نقل أقوال أهل العلم في هذا الموضوع.
وأخيراً: نقل السيوطي عن بعض أهل العلم احتجاجه على حياة الأنبياء بأن النبي صلى الله عليه وسلم اجتمع بهم ليلة الإسراء في بيت المقدس.
ومقصده أن ما دام هذا ممكناً في حق النبي صلى الله عليه وسلم معهم فيمكن أن يكون جائزاً في حق أولياءأمته معه، فيرونه في اليقظة.
والجواب على هذه الشبهة أن يقال:
أولاً: ليس النزاع في حياة الأنبياء في قبورهم ولا في اجتماع النبي صلى الله عليه وسلم بهم ليلة الإسراء ولا صلاته بهم إماماً، فإن ذلك كله ثابت رواية، فيجب على جميع المؤمنين التصديق به.
ثانياً: أن مما يجب أن يعلم أن حياة الأنبياء في قبورهم حياة برزخية لا نعلم كيف هي، وحكمها كحكم غيرها من المغيبات، نؤمن بها ولا نشتغل بكيفيتها، ولكننا نجزم بأنها مخالفة لحياتنا الدنيا.
ثالثاً: أن الذي أخبرنا بأنه اجتمع بالأنبياء ليلة الإسراء هو الصادق المصدوق الذي يجب على كل مؤمن أن يصدقه في كل ما أخبر به من المغيبات دقيقها وجليلها، ولذا آمنا بما أخبرنا به واعتقدناه عقيدة لا يتطرق إليها شك إن شاء الله تعالى.
أما من جاءنا بخبر وقوع رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة فمجموعة من الدراويش خالفت الكتاب والسنة والإجماع والمعقول، فلم يجز - ولا أقول فلم يجب - أن نصدقهم في دعواهم تلك.
بل وجب على كل موحد ذاب عن حمى التوحيد أن يردها بما استطاع لأنه باب يؤدي فتحه إلى ضلال عظيم وخراب للأديان والعقول ويفتح باب التشريع من جديد، ولا حول ولا قوة إلا بالله. والله أعلم). انتهى كلام الشيخ محمد أحمد لوح جزاه الله خيراً بتصرف.
¥