والطريق الثاني: الذي عليه بعضهم وهو إثباتها اسما ونفيها فعلا فقالوا: إن الله عالم بعلم وعلمه ذاته وهكذا بقية الصفات، فكان مجتمعا مع الرأي الأول في الغاية وهي نفي الصفات.
والمقصود بنفي الصفات عندهم: هو نفي إثباتها حقيقة في الذات ومتميزة عنها، وذلك أنهم يجعلونها عين الذات فالله عالم بذاته بدون علم أو عالم بعلم وعلمه ذاته
وهناك آراء أخرى للمعتزلة لكنها تجتمع في الغاية مع الرأيين الأولين، وهو التخلص من إثبات الصفات حقيقة في الذات ومتميزة عنه" انتهى كلامه حفظه الله.
وقال الشيخ صالح آل الشيخ - حفظه الله ورده إلى التدريس رداً جميلاً وأخرجه من الوزارة معززاً كريماً - في شرحه للعقيدة الواسطية ما نصه: " وذكر أيضا الآيات المتعلقة بعلمه جل وعلا كقوله ?وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ? وكذلك في قوله ?لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا? وهذه الآيات فيها جميعا إثبات صفة (العلم) لله جل وعلا وأن الله سبحانه وتعالى هو (الْعَلِيمُ) بصفة وهي صفة (العلم).
وهذا فيه مخالفة للمعتزلة الذين قالوا إن الله جل جلاله يعلم لكن ليس بعلم، يعني يقولون إن الله عالم لكن ليس بعلم، يعني ليس بصفة زائدة على ذاته جل وعلا بل هو يعلم بذاته لا يعلم بصفة إنما العلم يأتي من ذاته جل وعلا.
وهذا باطل لأن اسم الله جل وعلا (الْعَلِيمُ) مشتمل على صفة العلم، والعلم أُثبِت له جل وعلا كغيره من الصفات بالاسم كـ (الْعَلِيمُ) وبالصفة يعني المجردة وكذلك بالأفعال، والأفعال تدل على حصول الحدث، يعني تدل على حصول المصدر مع الزمن المقترن به، وهذا كله يدل على أن العلم الحاصل لله جل وعلا هذا شيء زائد عن الذات، يعني شيء متعلق بزمن، والذات غير متعلقة بشيء من ذلك.
فإذن دل على أن صفة العلم لله جل وعلا أنها كسائر الصفات لله تبارك وتعالى وهي أنها صفة مستقلة ذاتية قائمة بالذات لكن ليست هي عين الذات فـ (الْعَلِيمُ) من أسماء الله جل وعلا هو ذو العلم الواسع وليس معناه أنه (الْعَلِيمُ) بذاته وإنما هو (عليم) بالعلم.
يعبر المعتزلة عن ذلك بقولهم عليم بلا علم.
معنى قولهم (عليم بلا علم) يعني عليم بلا صفة زائدة عن ذاته هي العلم، وهكذا يقولون في سائر الصفات سميع بلا سمع، يعني بلا صفة زائدة هي السمع بصير بلا بصر وحفيظ بلا حفظ، وهكذا، يعني أن الأسماء إما أن يفسروها بمخلوقات منفصلة وإما أن يفسروها بالذات.
ومما ينبه عليه هنا أن أهل السنة يقولون (يعلم بعلم) وأما ما وقع في بعض الكتب من الكتب المنسوبة لأهل السنة ككتاب (الحيدة) مثلا من أنه جل وعلا (يعلم بلا علم) هذا غلط، أو قولهم (إننا لا نطلق هذه العبارة بعلم أو بغير علم لعدم ورودها) كذلك هذا غلط.
والذي جاء في (الحيدة) هو كذلك في غيرها (أننا نقول يعلم ولا نقول بعلم ولا بغير علم)
وهذا باطل لأن كونه جل وعلا يعلم معنى ذلك أن علمه متجدد بتجدد زمن الفعل، لأن الفعل ينحل عن زمن وعن مصدر، والمصدر مجرد من الزمن، والزمن لا بد له من تجدد والذات لا يمكن أن تكون كذلك.
فإذن التجدد راجع إلى حصول هذه الصفة باعتبار متعلقاتها، وإذا صارت هذه الصفة متجددة باعتبار متعلقاتها يعني باعتبار المعلوم صار ذلك بعلم زائد على الذات، المقصود من ذلك أن في هذه الآيات رد على طائفة من الضلال في باب الصفات وهم الذين يقولون إن صفات الله جل وعلا هي بالذات وليست زائدة عن الذات. الصفات غير الذات، نعم، صفات الله جل وعلا القول فيها كالقول في الذات لكن ذاته جل وعلا هي المتصفة بالصفات.
فالصفات أمر زائد على الذات ولا يعقل أن توجد ذات ليست بمتصفة بالصفات بل الصفات تكون للذات، وليس الذات وجودها عينه هو وجود الصفات، بل ثم صفات وثم ذات.
نعم الصفات لا يمكن أن تقوم بنفسها بل لا بد لها من ذات تقوم بها، فإذن صفات الله جل وعلا ومنها (العلم) على ذلك، وهذه مقدمة تصلح لجميع أنواع الصفات التي ستأتي ". انتهى
أما عن مقولة: "الصفات هي فرع الذات" فلم أجد فيها كلاماً، ولو أن الأخ الفاضل عمراً ذكر لنا مصدرها لعل الأمر يتبين.
غير أن المقولة تحتمل معنيين:
أحدهما حق: وهو ما أشار إليه الشيخ صالح آل الشيخ - حفظه الله - في قوله:" فالصفات أمر زائد على الذات ولا يعقل أن توجد ذات ليست بمتصفة بالصفات ".
والثاني باطل: وهو أن الذات هي الأصل ثم حلت فيها الصفات بعد أن لم تكن متصفة بها، فسميت بهذا الاعتبار فرعاً للذات، وهو ما يعبر به الجهمية والمعتزلة بحلول الأعراض في الجوهر، وهي أصل شبهتهم التي أوجبت لهم التعطيل.
وإذا صح أحد الاحتمالين اتضح الفرق بين المقولتين جلياً. والله أعلم.
¥