د: موراني لا أريد أن يقال في مالك وغيره وفيك إلا الحق، وما يدل عليه العلم الصحيح الذي يؤتى من بابه. والبحث والحماس قرينان بهما ترتقي المعارف، فلولاهما خمدت العلوم منذ زمن، ولا يخفى عليك -أيضا - أن المقصود هنا الحماسة الرشيدة المنضبطة وليست الهوجاء ... فهذه صفة قوم آخرين، ما أظنك تجدهم في أهل الحديث الغر الميامين.
ولا تذهبن بك الظنون بعيدا، فقد قلت: لا يخفى عليك، وهذا أتركه لفطنتك، وفيما صرحت به إشارة إليه.
أقول لك الصدق د: لقد كان في مقدمة التعليقات بعض الكلمات القاسية عن بعض المستشرقين - يستحقونها ولا شك عندي - ليست سبا ولا شتما، قد حذفتها احتراما للإخوة المشرفين ولك، فتفطن لهذا أرجوك.
وهذا تعليقي على مشاركتك السابقة:
د: موراني:
الأمر كما ذكرته لك، وليس لي فيه إلا النسخ واللصق، لا تشك في ذلك البتة.
وخلاف أهل العلم أمر معروف غير منكور، ولست عنه أبحث حتى أذكره، الكلام يا دكتور عن فهم هذا الخلاف وأسبابه وطبيعته، ومدى تأثيره في نظرتنا لاجتهاد المجتهدين، محمد الأمين يجعل من هذا الاختلاف – الشخصي أحيانا - الناتج عن خلاف فقهي، أو ناتج عن خلاف على تصدر ... أو غير ذلك، يجعل منه محمد الأمين سببا لتنقص الإمام، وسببا لإخراجه من أهل الحديث، وسببا لكونه لا يمثل فقه أهل المدينة، وهذه حسب فهمه هو لتمثيلهم، حتى جعل الأمر يؤول للقول بعصمة الإمام وإن كان لا قائل به عنده، والذي يفهمه كل الناس من التمثيل معنى غير ما يدندن حوله محمد الأمين، وقد ذكرت له بعض نصوص القدماء في هذا المعنى، وحتى إن وجد محمد الأمين بعض من يرى مثل ما يدعيه فليس له الحق أن ينسب ذلك للمالكية عموما، لأنهم ما فتئوا يذكرون مذهب إمامهم ومذهب ابن الماجشون وفلان وفلان من أهل المدينة ويفرقون بين هذا وهذا، ويأخذون بقول غير إمامهم ويعتمدونه ويفتون به.
والبحث في المذهب وانتشاره ليس من صلب العلم هذا أمر مسلم، أكرر على مسامعك دكتور طريقة البحث هي المهمة، منهج الاستدلال وطريقة فهم النصوص ونقلها والتعامل معها هو المهم، الدعوى بالنسبة لي كيفما كانت ليست مهمة، كل سيحاسب على دعواه، وقد ذكرت شيئا من هذا في مقدمة التعليقات. وما جاء في التعليقات مما ظاهره يعارض قولي هذا، فينبغي أن يفهم على هذا الأساس.
فليس بحثي في أن مالكا تم احتواؤه من قبل بني العباس وأصبح يدور في فلكهم، أو أن مالكا ليس من أهل الحديث، أو أن له فتاوى غريبة، أو ليست له قواعد واضحة، أو أنه شيخ يفتي ...
المهم عندي كيف توصل الباحث لكل هذه النتائج الباطلة – علما وواقعا - الذي تبين لي أنه وصلها بالإعراض عن العشرات من النصوص المخالفة لكل هذه الدعاوى العريضة، وبتر الكثير من النصوص من سياقها وسباقها، والتغيير اللفظي الذي حصل في بعضها، والدخول على الموضوع بفكرة مسبقة كان الهدف منها (وضع ما شمخ من الإمام) وغير ذلك من الأخطاء المنهجية.
أما الحديث عن التعصب والعصبية فذلك مما أستعذ الله منه في يومي وأمسي وما يستقبل من أيامي إن عشت إلى قابل – إن شاء الله – وهو مرض قديم كما أصاب بعض المسلمين أصاب غيرهم من أهل الكفر والضلال، وقد سبق وأن قلت لك:إن هذه التهمة أقل ما أتوقعه عند الخوض في مثل هذا، وليس أسهل من رميها على كل متحدث في هذا الباب، ولو فتحت معك باب البحث حول بعض أئمة الاستشراق من أمثال جولدتسيهر أو شاخت وذكرت لك فنونا من أخطائهم العلمية والمنهجية، ثم قمت تدافع عن آرائهم، إما مباشرة أو عن طريقة الدفاع عن طرائقهم في البحث والدرس، فما أسهل أن أصفك بالتعصب لهم والانحياز إليهم.
دكتور موراني التعصب المقيت لا يبقي المذاهب والأفكار والأمم حية مئات السنين إذا لم يصحب ذلك علم وحجة تذود عن تلك المذاهب ... فما كان التعصب يوما جزءا من مذهب مالك ولا غيره، بل هو مرض موجود في عقول ونفوس من قل فهمه وعلمه، ولم يزد ذلك المذاهب حجة ولا قوة، بل علم أصحاب المذاهب وفهمهم الصحيح لمعنى المذهب هو الذي مدها بالقوة والبقاء، فانظر حواليك دكتور موراني كم من معجب بالاستشراق وأعلامه الأوائل من أمثال من ذكرت لك وغيرهم، وتعصبهم لهم، واعتمادهم في جل دراساتهم على بحوثهم السابقة، وازدرائهم بكل من يذكرهم بغير ما يحبون، هل ينفع هذا التعصب والإعجاب الدراساتِ الاستشراقية شيئا، وهل
¥