ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[05 - 04 - 06, 08:28 م]ـ
116 – (13/ 390) قال: " وقد سئلت هل يجوز لقارئ هذا الحديث أن يصنع كما يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأجبت وبالله التوفيق ... إلخ.
وذلك في كلامه على حديث رقم 7408، كتاب التوحيد، باب 17.
قال الشيخ البراك: حاصل جواب الحافظ عما سئل عنه أنه يجوز بشرطين:
الأول: أن يكون من بحضرته يعتقد التنزيه.
الثاني: أن يقصد بالإشارة محض التأسي.
وفي هذا الجواب نظر من وجهين:
أولاً: أن الإشارة إذا كان المراد بها محض التأسي لم يكن لها معنى بالنسبة للمخاطبين، ولا بالنسبة لمضمون الكلام.
ثانيًا: أن لفظ تنزيه الله عن صفات الحدوث يريد به المعطلة ومن وافقهم نفي الصفات عن الله؛ لأن الصفات عندهم تستلزم الحدوث.
وأما التنزيه الذي يقول به أهل السنة فهو تنزيهه سبحانه عن مماثلة المخلوقات مع إثبات الصفات إثباتًا بلا تشبيه وتنزيهًا بلا تعطيل.
والأشبه بطريقة الحافظ أنه أراد بالتنزيه المعنى الأول، ولو اقتصر رحمه الله تعالى على قوله: "والأولى به الترك" لكان أسلم له. وأما المعنى الذي ذكر أنه خطر له في معنى الإشارة في الحديث، ولم يره من شراح الحديث، وهو: "أن الإشارة إلى عينه صلى الله عليه وسلم إنما هي بالنسبة إلى عين الدجال" فهو معنى باطل يرده أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أشار بيده إلى عينه عند قوله: "إن الله ليس بأعور" لا عند قوله: "وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى". وكل هذا هروب من الاستدلال بالحديث على إثبات العين لله تعالى، وهو المعنى الذي قصده البخاري رحمه الله تعالى؛ فالبخاري في واد والحافظ في واد آخر؛ فهو في مثل هذه المواضع يخالف منهج البخاري وأهل السنة والجماعة. والأظهر في الجواب عن ذلك السؤال أن يقال: تجوز الإشارة عند ذكر هذه الأحاديث لنفس المعنى الذي أراده الرسول صلى الله عليه وسلم بإشارته - وهو إرادة تأكيد الحقيقة كما تقدم - يدل لذلك عموم قوله تعالى: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة" فيدخل في ذلك طرق البيان التي بين فيها الرسول صلى الله عليه وسلم، وبلغ بها رسالة ربه، ويمكن إذا خشي أن يتوهم أحد من الإشارة التشبيه أن يقصد المتحدث بإشارته حكاية فعل النبي صلى الله عليه وسلم، كأن يقول: وأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى عينه، فيشير إلى عينه ونحو ذلك، ويمكن رفع التوهم أيضًا ببيان مراد الرسول صلى الله عليه وسلم بإشارته. وما كان السلف الصالح يستوحشون من ذكر آيات وأحاديث الأسماء والصفات لأنهم يؤمنون بما دلت عليه على الوجه اللائق به سبحانه، ويقولون: أمروها كما جاءت بلا كيف. وأما الذين دخل عليهم مذهب التعطيل فإنهم يقفون من تلك النصوص موقف الرد إن أمكنهم، أو موقف التأويل أو التفويض؛ فهم لا يؤمنون بحقائقها، بل يرون أنه لا يجوز اعتقاد ظاهرها؛ فإن ظاهرها عندهم هو التشبيه، ومن عوفي فليحمد الله.
117 – (13/ 394) قال الحافظ: "باب قول الله تعالى: لما خلقت بيدي، قال ابن بطال: في هذه الآيات إثبات اليدين لله، وهما صفتان من صفات ذاته، وليستا بجارحتين، خلافًا للمشبهة من المثبتة، وللجهمية من المعطلة .... ".
وذلك في كلامه على كتاب التوحيد، باب 19.
قال الشيخ البراك: قول ابن بطال رحمه الله تعالى: "في هذه الآيات إثبات اليدين لله تعالى ... إلخ" فيه خطأ وصواب؛ فأصاب في أول كلامه بقوله: "في هذه الآيات إثبات اليدين لله تعالى وهما صفتان من صفات ذاته"، وأصاب في آخر كلامه في الرد على الجهمية في نفيهم للقدرة، وفي رده على من يتأول اليدين بالقدرة.
ولكن قوله: "وليستا بجارحتين" من النفي المبتدع، ولفظ الجارحة لفظ مجمل؛ فإن أريد بنفي الجارحة نفي حقيقة اليدين التي يكون بهما الفعل، ومن شأنهما القبض والبسط فباطل، وإن أريد به نفي أن تكون يداه سبحانه مثل أيدينا كما يقول المشبه: له سمع كسمعي، وبصر كبصري، ويد كيدي، فهذا النفي حق. فالواجب إثبات اليدين لله تعالى مع نفي مماثلتهما للخلق، ونفي العلم بكيفيتهما مع إثبات ما ورد في صفاتهما كالقبض والبسط والأخذ والأصابع، والله أعلم.
118 – (13/ 394) قال الحافظ: "وقال غيره: هذا يساق مساق التمثيل للتقريب؛ لأنه عهد أن من اعتنى بشيء واهتم به باشره بيديه، فيستفاد من ذلك أن العناية بخلق آدم كانت أتم من العناية بخلق غيره".
وذلك في كلامه على كتاب التوحيد، باب 19.
قال الشيخ البراك: معناه أن الله تعالى لم يخلق آدم عليه السلام بيديه حقيقة من بين سائر المخلوقات، وهذا يقوله من ينفي حقيقة اليدين عن الله عز وجل، وهم الجهمية والمعتزلة ومن وافقهم من الأشاعرة وغيرهم. فمن هؤلاء من يجعل هذه الآية من قبيل المجاز التمثيلي الذي لا يقصد ظاهره، وإنما عبر به عن معنى آخر للمبالغة في تقريبه، وهذا أحد تأويلات أهل التأويل لهذه الآية، وذِكرُ الحافظ عفا الله عنه لمعاني اليدين والمبالغة في جمعها لا وجه له؛ فإن ذلك من طريقة النفاة لتشويش الفهم لنصوص الصفات بدعوى كثرة الاحتمالات، ونصوص الصفات بحمد الله تعالى هي نصوص لا تحتمل إلا ما أراده الله منها، وهي المعاني الثابتة له سبحانه، وهذه المعاني هي المعاني القريبة المتبادرة للأفهام السليمة التي لم تتكدر بشبه أهل التعطيل أو أهل التشبيه؛ فاليدان في الآية لا تحتمل إلا معنى واحدًا، وهي اليدان اللتان بهما الفعل والأخذ، ومن شأنهما القبض والبسط كما دلت على ذلك الآيات والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
¥