وقوله في الحديث: "في داره": لا ريب أن إضافة الدار إليه إضافة تشريف، ولا يلزم من ذلك أن يكون حالاً في هذه الدار؛ فإنه تعالى منزه عن الحلول في شيء من مخلوقاته. وأما المراد بهذه الدار فالله أعلم به، وإن كان المتبادر أنها الجنة.
وانظر التعليقات (129) و (130) و (131)
139– (13/ 431) قال الحافظ: "قال ابن بطال: معنى رفع الحجاب .... إلى قوله: فإن ظاهره ليس مردًا قطعا، فهي استعارة جزمًا، وقد يكون المراد بالحجاب في بعض الأحاديث الحجاب الحسي، لكنه بالنسبة للمخلوقين، والعلم عند الله تعالى".
وذلك في كلامه على حديث رقم 7443، كتاب التوحيد، باب 24.
قال الشيخ البراك: قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا حجاب يحجبه": يدل على أن الله تعالى يكلم عباده يوم القيامة كفاحًا بلا واسطة فيجتمع لهم التكليم والرؤية، والحجاب المنفي في هذا الحديث هو المثبت في قوله تعالى: "وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيًا أو من وراء حجاب". والحجاب إذا ذكر في مقام نفي الرؤية لا بد أن يكون خارجًا عن ذات الرائي ليكون مانعًا من الرؤية مع سلامة الحاسة. والحجاب الذي يمنع رؤية العباد لربهم قد يكون مخلوقًا، وقد يكون صفة لله تعالى كما في الحديث الذي بعد هذا؛ وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن" فالله يحتجب من عباده بما شاء وكيف شاء. وما يكون حاجبًا لعباده عن رؤيته لا يحجبه سبحانه وتعالى عن رؤيته لخلقه، ويشهد لهذا قوله صلى الله عليه وسلم: "حجابه النور أو النار لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه" والحديثان في صحيح مسلم.
ومما تقدم يتبين خطأ ابن بطال في قوله: "معنى رفع حجاب: إزالة الآفة من أبصار المؤمنين ... إلخ"؛ فإن معناه أنه ليس هناك حجاب يرفع بين المؤمنين وربهم فينظرون إليه، بل المانع لهم من الرؤية أولاً قصور أبصارهم عن رؤيته فمتى منحهم الله القدرة على ذلك رأوه. وهذا المعنى يرتبط بقول الأشاعرة في الرؤية وأنه يُرى تعالى لا في جهة، وبقولهم: إنه حال في كل مكان.
وما نقله الحافظ في شرح هذا الحديث عن العلائي من قوله: "ويتخرج كثير من أحاديث الصفات على الاستعارة التخييلية ... إلى قوله: وبالحمل على هذه الاستعارة التخييلية يحصل التخلص من مهاوي التجسم": هذا الكلام جارٍ على مذهب من ينفي كثيرًا من الصفات كالأشاعرة، ويحمل نصوصها على المجاز إما بالاستعارة أو بالمجاز المرسل، أو العقلي؛ فهذه النصوص عندهم محمولة على خلاف ظاهرها لأن ظاهرها عندهم تجسيم وتشبيه، فمن أثبت هذا فهو عندهم مشبه مجسم، وأهل السنة يثبتون ما دلّت عليه هذه النصوص مع نفي مماثلة المخلوقات، ويقولون: القول في الصفات كالقول في الذات، والقول في بعض الصفات كالقول في بعض.
وقول العلائي: "والله سبحانه وتعالى منزه عما يحجبه؛ إذ الحجاب إنما يحيط بمقدر محسوس": إن أراد أنه تعالى منزه عما يحجبه عن خلقه فلا يراهم ولا يسمعهم، أو أراد أنه منزه عن حجاب مخلوق يحيط به فهذا حق، وإن أراد أنه تعالى منزه عن حجاب محسوس يحجب الخلق عن رؤيته مثل النور الذي ورد ذكره في الحديث فهذا ما دلت عليه النصوص الواردة في ذكر الحجاب، فنفيه باطل.
وقوله: "إذ الحجاب إنما يحيط بمقدر محسوس": كلام مخالف للواقع ومبني على باطل؛ فإنه لا يلزم أن يكون الحجاب محيطًا بالمحتجب عن غيره.
وقوله: "بمقدر محسوس": يرجع عندهم إلى نفي العلو فوق المخلوقات والقول بالحلول، ونفي الرؤية الحقيقية، وكل ذلك باطل.
ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[12 - 04 - 06, 05:21 م]ـ
140 – (13/ 432) قال الحافظ: "قال المازري: .... ومن لم يفهم ذلك تاه، فمن أجرى الكلام على ظاهره أفضى به الأمر إلى التجسيم، ومن لم يتضح له وعلم أن الله منزه عن الذي يقتضيه ظاهرها إما أن يكذب نقلتها وإما أن يؤولها .... وقال الكرماني: هذا الحديث من المتشابهات فإما مفوض، وإما متأول بأن المراد بالوجه الذات .... ".
وذلك في كلامه على حديث رقم 7444، كتاب التوحيد، باب 24.
¥