وقد دل هذا الحديث على أنه تعالى ينزل إلى السماء الدنيا في آخر الليل فيقول: "من يدعوني .... إلخ"، فهذا النزول وهذا القول فعل من الرب سبحانه بمشيئته في ذلك الوقت. وأهل السنة والجماعة يثبتون ذلك على حقيقته مع نفي التمثيل والتكييف، وأما النفاة للصفات والأفعال الاختيارية فذلك عندهم ممتنع؛ فمنهم من يرد هذا الحديث زاعمًا أنه خبر آحاد، ومنهم من يوجب فيه التفويض أو التأويل. والحديث نص في معناه؛ فكل تأويل أولوه به فهو تحريف للكلم عن مواضعه، فالله تعالى هو الذي ينزل كيف شاء لا غيره، وهو الذي يقول: من يدعوني، ولا يجوز أن يقول الملك: من يدعوني، ومن بديع الرد على من ينفي النزول الإلهي قول الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى: إذا قال لك الجهمي: أنا أكفر برب يزول عن مكان، فقل: أنا أومن برب يفعل ما يشاء.
154– (13/ 468) قال الحافظ: "وتأول ابن حزم النزول بأنه فعل يفعله الله في سماء الدنيا ... ".
وذلك في كلامه على حديث رقم 7494، كتاب التوحيد، باب 35.
قال الشيخ البراك: قول ابن حزم بأن: "النزول فعل يفعله الله في سماء الدنيا ... إلخ": معناه أن النزول ليس فعلاً قائمًا بالرب، وهذا جار على مذهب نفاة الصفات، ونفاة قيام الأفعال الاختيارية به سبحانه، وهو باطل.
وتنظير النزول في الحديث بقول القائل: نزل لي فلان عن حقه غفلة أو مغالطة؛ لأن الذي في الحديث معدّى (بإلى) ونوع المتعلق مختلف.
155 - (13/ 468) قال الحافظ: "فكما قَبِلَ النزولُ التأويلَ لا يمنع قَبولُ الصعودِ التأويلَ، والتسليم أسلم كما تقدم، والله أعلم".
وذلك في كلامه على حديث رقم 7494، كتاب التوحيد، باب 35.
قال الشيخ البراك: الحق إمرار نصوص النزول والصعود وسائر الصفات على ظاهرها اللائق به سبحانه، ولا موجب لعقل ولا شرع لصرفها عن ذلك.
156 - (13/ 477) قال الحافظ: "ثم قال الخطابي: والظاهر أن هذا من تخليط اليهود وتحريفهم، وأن ضحكه عليه الصلاة والسلام إنما كان على معنى التعجب والنكير له، والعلم عند الله تعالى".
وذلك في كلامه على حديث رقم 7513، كتاب التوحيد، باب 36.
قال الشيخ البراك: تقدم التعليق على كلام الخطابي في موضعه الذي أشار إليه الحافظ، وبُيِّن أن كل ما قاله الخطابي في هذا الحديث من التأويل والتعليل باطل مبني على باطل وهو: نفي حقيقة اليدين، وحقيقة الأصابع. ومذهب أهل السنة إثبات ذلك على حقيقته اللائقة بالرب سبحانه؛ فله تعالى وجه، وله يدان، وله أصابع لا تشبه ما للمخلوق من ذلك، ولا يعقل العباد كيفية ذلك.
وانظر التعليق (121)
157 – (13/ 477) قال الحافظ: "قوله: (يدنو أحدكم من ربه): قال ابن التين: يعني يقرب من رحمته، وهو سائغ في اللغة؛ يقال: فلان قريب من فلان ويراد الرتبة".
وذلك في كلامه على حديث رقم 7514، كتاب التوحيد، باب 36.
قال الشيخ البراك: قوله: "يعني: يقرب من رحمته ... ": تأويل لا موجب له، والصواب أن الله تعالى يقرب من خلقه إذا شاء كيف شاء، ويُقرّب من شاء من خلقه ويدنيه كيف شاء، فقوله في الحديث: "يدنو أحدكم من ربه" هو على ظاهره، وأن العبد يقرب من ربه؛ يؤكد ذلك قوله: "فيضع عليه كنفه". والذين أولوا ذلك بالدنو من الرحمة حملهم على ذلك قولهم: إن الله في كل مكان، فليس بعض الخلق أقرب إليه من بعض، ولا الملائكة المقربون الذين هم عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون. والذي دل عليه العقل والسمع أن الله تعالى بذاته في العلو ليس حالاً في المخلوقات، ولا في شيء من المخلوقات تعالى الله عما يقول الظالمون والجاهلون علوًا كبيرًا.
ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[15 - 04 - 06, 08:09 م]ـ
158 - (13/ 484) قال الحافظ: "وقد أزال العلماء إشكاله؛ فقال القاضي عياض في الشفاء: إضافة الدنو والقرب إلى الله تعالى أو من الله ليس دنو مكان ولا قرب زمان، وإنما هو بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم إبانة لعظيم منزلته وشريف رتبته، وبالنسبة إلى الله عز وجل تأنيس لنبيه وإكرام له، ويتأول فيه ما قالوه في حديث: "ينزل ربنا إلى السماء" وكذا في حديث: "من تقرب مني شبرًًا تقربت منه ذراعًا" وقال غيره: الدنو مجاز عن القرب المعنوي لإظهار عظيم منزلته عند ربه تعالى".
وذلك في كلامه على حديث رقم 7516، كتاب التوحيد، باب 37.
¥