وقول الحافظ: "وهذا ينفصل عنه من ذهب إلى أن الكلام صفة قائمة بذاته": معناه أن المخالف للبخاري في مذهبه يجيب عن استدلاله بأن الآية نزل بها الملك من اللوح المحفوظ أو من بيت العزة، لا أنه سمعها من الله تعالى. وهذا الجواب أصله الأثر المروي عن ابن عباس رضي الله عنهما: "إن القرآن نزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا، ثم أنزل إلى الأرض نجومًا"، ولكن الذي عليه أهل السنة أن الروح الأمين جبريل عليه السلام ينزل بالقرآن من الله تعالى، وأن الله يكلمه به؛ كما قال تعالى: "قل نزَّله روح القدس من ربك" وقال سبحانه: "تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم" ولا منافاة بين هذا وبين كون القرآن مكتوبًا في أم الكتاب. وفي تعبير الحافظ عن مذهب المخالف للبخاري ما يوهم أن مذهب البخاري يقتضي أن كلام الله ليس قائمًا به، وهذا خطأ، بل يقول إنه قائم به بمشيئته؛ فهو فعل من أفعاله سبحانه. والمذهب المناقض لمذهب البخاري هو قول من يقول: إن كلام الله تعالى قديم لا تتعلق به المشيئة؛ كما هو قول الكلابية والأشاعرة.
162 - (13/ 497) قال الحافظ: "قال ابن بطال: غرض البخاري الفرق بين وصف كلام الله تعالى بأنه مخلوق وبين وصفه بأنه محدث ... إلى أن قال: فإذا لم يجز وصف كلامه القائم بذاته تعالى بأنه مخلوق لم يجز وصفه بأنه محدث ...
قلت: والاحتمال الأخير أقرب إلى مراد البخاري؛ لما قدَّمت قبل أن مبنى هذه التراجم عنده على إثبات أن أفعال العباد مخلوقة، ومراده هنا الحدث بالنسبة للإنزال".
وذلك في كلامه على كتاب التوحيد، باب 42.
قال الشيخ البراك: قول ابن بطال: "غرض البخاري الفرق بين وصف كلام الله تعالى بأنه مخلوق وبين وصفه بأنه محدث ... ": لا شك أنه أقرب مما رجحه الحافظ في آخر الكلام بقوله: "ومراده هنا الحدث بالنسبة للإنزال"؛ أي أن المحدث هو الإنزال لا كلام الله تعالى. بل هذا بعيد عن مراد البخاري في الترجمة وما اشتملت عليه. والصواب أن مراد البخاري هو إثبات قيام الأفعال الاختيارية به سبحانه، وأن كلامه من أفعاله التي يحدثها بمشيئته سبحانه؛ ولهذا قال رحمه الله تعالى: "وأن حدثه لا يشبه حدث المخلوقين"؛ أي إحداثه لما شاء لا يشبه إحداث المخلوقين لأفعالهم لأن إحداثه فعل قائم به فهو من صفاته الفعلية. وتعقُّبْ ابن بطال البخاري في وصف القرآن بأنه محدث وتأويلاته للآية مبني على مذهب الأشاعرة في كلام الله تعالى؛ وهو أنه معنى نفسي قديم لا يكون بمشيئته؛ فهو صفة ذاتية له كحياته، وهو خلاف مذهب أهل السنة والجماعة في كلام الله تعالى.
انظر التعليق السابق في تفصيل مذهب أهل السنة في ذلك (161).
ودعوى ابن بطال أن المحدث والمخترع والمنشأ والمخلوق مترادفة ممنوعة.
163 – (13/ 498) قال الحافظ: "فقال ابن التين أيضا: هذا من الداودي عظيم؛ لأنه يلزم منه أن يكون الله تعالى متكلمًا بكلام حادث فتحل فيه".
وذلك في كلامه على كتاب التوحيد، باب 42.
قال الشيخ البراك: قول الداودي: "الذكر في هذه الآية هو القرآن وهو محدث عندنا ... إلخ": ظاهره موافق لظاهر مراد البخاري بالاستشهاد بالآية. واستعظام ابن التين لكلام الداودي، وتعقب الحافظ له متأولاً كلام الداودي مبني على مذهبهما في كلام الله تعالى؛ وهو أنه قديم فلا يكون بمشيئته. وفهم كلام الداودي على حقيقته يتوقف على معرفة مذهبه في كلام الله تعالى، ومن أي الطوائف هو.
164 - (13/ 500): قال الحافظ: " قوله تعالى: (فإذا قرأناه فاتبع قرآنه) فيه إضافة الفعل إلى الله تعالى والفاعل له من يأمره بفعله ... إلى قوله: ففيه بيان لكل ما أشكل من كل فعل ينسب إلى الله تعالى مما لا يليق به فعله من المجيء والنزول ونحو ذلك، انتهى".
وذلك في كلامه على حديث رقم 7524، كتاب التوحيد، باب 43.
¥