قال الحافظ ابن حجر في " مقدمة الفتح ": عبدالملك بن الصباح المسمعي البصري من أصحاب شعبة، قال أبو حاتم: صالح، وذكره صاحب " الميزان " فنقل عن الخليلي أنه قال فيه: متهم بسرقة الحديث، وهذا جرح مبهم. انتهى.
وقال ابن حجر في ترجمة سعيد بن سليمان الواسطي: قال أبو حاتم: ثقة مأمون، وقال عبدالله بن أحمد بن حنبل عن أبيه: كان صاحب تصحيف ما شئت، وقال الدارقطني: يتكلمون فيه، قلت – أي ابن حجر – وهذا تليين مبهم لا يقبل. انتهى.
وذكر ابن حجر أقواماً من هذا الصنف ممن طُعن فيه وقد أخرج له البخاري في " صحيحه "، وقبله الحافظ الذهبي في كتابه " معرفة الرواة المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد "، فليراجع.
قال السخاوي في " فتح المغيث " عن محمد بن نصر المروزي: (كل رجل ثبتت عدالته لم يقبل فيه تجريح أحد حتى يبين ذلك بأمر لا يحتمل أن يكون غير جرحه).
الحالة الثانية
تعارض الجرح المفسّر مع التعديل المبهم وإن لم يوجد التكافؤ بين الناقدين
ومعنى كون الجرح مفسراً: أي بين سبب الجرح، فلا يكتفى بقوله (ضعيف) حتى يبين السبب في وصفه بذلك، أو (سيئي الحفظ) حتى يأتي ببرهان ذلك، ونحو هذا، فإن الجرح المفسّر يقدم على التعديل المبهم بتسعة شروط:
الشرط الأول: أن يكون ما جرح به ثابتاً عنه.
لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات:6)، فقد يذم أشخاص بما لا يثبت عنهم أصلاً، كمن ذم الإمام البخاري بأنه يقول باللفظ، أو بخلق القرآن، ونحو ذلك، وهذا لا يثبت عنه أصلاً.
الشرط الثاني: أن يكون الجرح ثابت النسبة إلى الجارح.
فقد ينسب إلى إمام أنه جرح شخصاً ما، والصحيح عدم ثبوت ذلك عنه، مثل أبان بن يزيد العطار، وثقه عامة العلماء، وروي عن يحي القطان أنه قال: أنا لا أحدث عنه، قال الذهبي: وهذا عنه لم يصح [من " معرفة الرواة ": 54]، وقد عدّ العلامة عبدالرحمن المعلّمي اليماني هذا الشرط من القواعد الهامة التي يجب مراعاتها في نقد الرواة، فقال في [" التنكيل ":64]: (الشرط الثالث: إذا وجد في الترجمة كلمة جرح أو تعديل منسوبة إلى بعض الأئمة فلينظر أثابتة هي عن ذلك الإمام أم لا .. ).
الشرط الثالث: أن يكون ما جرح به مستساغاً لا مدخل فيه للتعصب ولا للهوى ولا للخطأ، فإنه يقبل.
وذلك لأن بعض من يجرح يكون جاهلا بأحوال الرجال، أو قد يكون جرحه لمذهب أو طريقة أو لدنيا وحظ النفس، ككلام الأقران بعضهم في بعض، فإن من كان جرحه لهذه الأسباب لا يقبل منه.
قال الحافظ الذهبي في " تذكرة الحفاظ " في ترجمة أبي نعيم: (كلام ابن منده في أبي نعيم فظيع لا أحب حكايته، ولا أقبل قول كل منهما في الآخر، بل هما عندي مقبولان – إلى أن قال – كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به، لا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب، أو لحسد، وما ينجو منه إلاّ من عصمه الله، وما علمت أن عصراً من الأعصار سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء والصديقين، ولو شئت لسردت من ذلك كراريس) انتهى.
وإني أعزم الطلب على الناظر في هذه الأسطر أن يقرأ ما حررته أنامل الإمام أبي عمر ابن عبدالبر – رحمه الله - في كتابه " الجامع لبيان العلم وفضله " تحت باب بعنوان: (حكم قول العلماء بعضهم في بعض) (2/ 150 - 163) فإنه كلام نفيس جدير بشبابنا اليوم النظر فيه والتأمل.
ومما قال فيه [ص: 152] مما يوافق المقام: (والصحيح في هذا الباب أن من صحت عدالته وثبتت أمانته، وبانت ثقته، وعنايته بالعلم لم يلتفت فيه إلى قول أحد إلاّ أن يأتي في جرحته ببينة عادلة تصح بها جرحته على طريق الشهادات .. ).
الشرط الرابع: أن لا ينفي من عدله ما جرح به.
¥