الشرط السادس: وهو أن لا يؤخذ الجرح وإن كان مفسراً على إطلاقه إذا أمكن الجمع بينه وبين التعديل المبهم.
وذلك لأن جرح بعض الرواة قد يكون مطلقاً في جميع أحوال روايته كـ (الكذاب) ونحوه، فهذا يقدم الجرح المفسر فيه، وبعضهم قد يكون مقيداً: بأحاديث، أو بأشخاص، أو ببلد، أو بزمان، فإن الجرح يمضى في هذه الحالات، ويقبل حديثه فيما عداها بعد السبر والتأكد من سلامتها، فيقال: (فلان ثقة إلاّ أنه وهم في حديث كذا وكذا)، أو (فلان ثقة ما لم يرو عنه فلان) أو (ثقة في غير حديثه عن فلان) أو (يقبل حديثه لما كان في الحجاز ولا يقبل لما انتقل إلى الشام أو اليمن لأنه حدث من حفظه) أو (يقبل حديثه قبل الستين، وما بعدها لا يقبل لاختلاطه أو لسوء حفظه)، ونحو ذلك وعلى كل ذلك أمثلة عديدة يعسر حشدها في هذا الموضع فلتراجع في كتب الرجال.
الشرط السابع: أن لا يكون المجروح أجل من الجارح كأن يكون المجروح من أئمة الدين فإنه لا يقبل جرح الجارح فيه.
نقل الحافظ ابن حجر في " مقدمة الفتح " عن أبي جعفر ابن جرير الطبري أنه قال: ولم يكن أحداً يدفع عن عكرمة التقدم في العلم والفقه والقرآن وتأويله وكثرة الرواية للآثار، وأنه كان عالماً بمولاه – يعني ابن عباس – وفي تقريظ جلة أصحاب ابن عباس إياه ما بشهادة بعضهم تثبت عدالة الإنسان ويستحق جواز الشهادة، ومن ثبتت عدالته لم يقبل فيه الجرح، وما تسقط العادلة بالظن .. ) ونقل عنه أنه قال: (لو كان كل من ادعى عليه مذهب من المذاهب الردئية ثبت عليه ما ادعيّ به، وسقطت عدالته، وبطلت شهادته بذلك، للزم ترك أكثر محدثي الأمصار، لأنه ما منهم إلاّ وقد نسبه قوم إلى ما يرغب به عنه .. ).
وقال التاج السبكي في " طبقات الشافعية ": (والحذر الحذر أن تفهم أن قاعدتهم (الجرح مقدم على التعديل) على إطلاقها، بل الصواب أن من ثبتت إمامته وعدالته، وكثر مادحوه، وندر جارحوه، وكانت هناك قرينة دالة على سبب جرحه من تعصب مذهبي أو غيره لم يلتفت إلى جرحه).
وقد ذكر الحافظ الذهبي في كتابه " معرفة الرواة الذي تكلم فيهم بما لا يوجب الرد " جمعاً من العلماء الذين تُكلم فيهم ولم يعتد بقول من جرحهم، كقوله [ص: 62]: (أحمد بن محمد بن حنبل الإمام، ثبت حجة، لينه بعض الناس في إبراهيم بن سعد!، فلم يلتفت إلى تليينه أحد، فمن يسلم من الكلام بعد أحمد؟!).
الشرط الثامن: أن لا يكون الجارح مجروحاً في نفسه، فهذا ليس أهلاً بأن يؤخذ قوله.
قال الحافظ الذهبي رحمه الله في ترجمة: أبان بن إسحاق المدني، في كتابه: " ميزان الاعتدال " بعدما نقل عن أبي الفتح الأزدي أنه قال فيه: (متروك!)، قال: (لا يترك فقد وثقه أحمد والعجلي، وأبو الفتح – يعني الأزدي – يسرف في الجرح، وله مصنّف كبير إلى الغاية في المجروحين، جرح خلقاً بنفسه لم يسبقه أحد إلى التكلم فيهم وهو متكلم فيه).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في " تهذيب التهذيب " في ترجمة: أحمد بن شبيب الحَبَطي البصري - بعد ما نقل كلام الأزدي فيه بأنه (غير مرضي!) -، فقال: (لم يلتفت إلى هذا القول بل الأزدي غير مرضي!).
وقال في ترجمة عكرمة مولى ابن عباس في " مقدمة الفتح ": (أما الوجه الأول فقول ابن عمر فيه لم يثبت عنه لأنه من رواية أبي خلف الجزار عن يحي البكاء أنه سمع ابن عمر يقول ذلك، ويحي البكاء متروك الحديث، قال ابن حبان: ومن المحال أن يجرح العدل بكلام المجروح!).
الشرط التاسع: أن لا يكون الجارح متعنتاً.
وذلك لأن نقاد الرجال من قديم الزمان وحديثه على ثلاثة أقسام، طرفان ووسط، فمنهم المتعنت ومنهم المتساهل، ومنهم الوسط العدل، وهذا التقسيم ظاهر لمن سبر مقالات أئمة الجرح والتعديل في الرجال، فابن معين رحمه الله تعالى من المتشددين في نقد الرجال، ويحي بن سعيد القطان قال عنه الذهبي في ترجمة سفيان بن عيينة: (متعنت جداً في الرجال)، وهذا الوصف في نقاد الرجال باقٍ على مر التاريخ حتى يومنا هذا وأعني بهم من كان من أهل السنة، فمنهم من هو متشدد في الحكم على الرجال، ومنهم من هو مقتصد معتدل وأعد منهم شيخنا ابن باز رحمه الله تعالى، ومنهم المتساهل الذي يخف نقده للمخالفين بل ربما أثنى عليهم لقلة
¥