فالجواب: إن هذا حديث منكر على ابن عباس رضي الله عنهما، ونَقَلَته مجهولة وضعفاء، فأما عبد الله بن داود الواسطي، وعبد الوهاب بن مجاهد فضعيفان، وإبراهيم بن عبد الصمد مجهول لا يعرف.
وهم لا يقبلون أخبار الآحاد العدول، فكيف يسوغ لهم الاحتجاج بمثل هذا الحديث لو عقلوا وأنصفوا.
أما سمعوا الله سبحانه حيث يقول: " وقالَ فِرْعَوْنُ يا هَامانُ ابْنِ لي صَرْحاً لَعَلّي أبْلُغُ الأسْبابَ، أسْبَابَ السّمَواتِ فأطّلِعُ إلى إلهِ مُوسَى وإنِّي لأظُنُّه كاذِباً " سورة غافر آية 36 - 37. فدل على أن موسى عليه الصلاة والسلام كان يقول: إلهي في السماء، وفرعون يظنه كاذباً، وقال الشاعر:
فَسُبْحانَ مَنْ لا يقدر الخَلْقَ قَدْرَه ... ومَنْ هُوَ فَوْقَ العَرْشِ فَرْدٌ مُوَحّدُ
مَليكٌ عَلى عَرْش السّماءِ مُهَيْمِنٌ ... لِعزّتهِ تَعْنُو الوجُوهُ وتَسْجُدُ
وهذا الشعر لأميةَ بن أبي الصلت، وفيه يقول في وصف الملائكة:
وساجِدُهم لا يَرْفَعُ الدَّهْر رأسَه ... يُعَظِّمُ رباً فَوْقَهُ ويُمَجِّدُ
قال: فإن احتجوا بقوله تعالى: " وهُوَ الّذي في السّماءِ إلهٌ وفي الأرْض إلهٌ " سورة الزخرف آية 84.
وبقوله تعالى: " وهُوَ اللَّه في السّمَواتِ وفي الأرْضِ " سورة الأنعام آية 3.
وبقوله تعالى: " ما يَكون مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ ولا خَمْسَةٍ إلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ " سورة المجادلة آية 7.
وَزَعموا أن الله سبحانه في كل مكان بنفسه وذاته تبارك وتعالى جده قيل: لا خلاف بيننا وبينكم وبين سائر الأمة، أنه ليس في الأرض دون السماء بذاته، فوجب حمل هذه الآيات على المعنى الصحيح المجمع عليه، وذلك أنه في السماء إله معبود من أهل السماء، وفي الأرض إله معبود من أهل الأرض، وكذا قال أهل العلم بالتفسير، وظاهر هذا التنزيل يشهد أنه على العرش، فالاختلاف في ذلك ساقط وأسعد الناس به من ساعده الظاهر.
وأما قوله في الآية الأخرى " وفي الأرض إله " فالإجماع والاتفاق قد بين أنّ المرادَ أنه معبود من أهل الأرض، فتدبر هذا فإنه قاطع.
ومن الحجة أيضاً في أنه عز وجل على العرش فوق السموات السبع: أن الموحدين يجمعين من العرب والعجم إذا كربهم أمرٌ، أو نزلت بهم شدة رفعوا وجوههم إلى السماء ونصبوا أيديهم رافعين مشيرين بها إلى السماء يستغيثون اللّه ربهم تبارك وتعالى، وهذا أشهر وأعرف عند الخاصة والعامة من أن يحتاج فيه إلى أكثر من حكايته، لأنه اضطراري لم يخالفهم فيه أحد، ولا أنكره عليهم مسلم، وقد قال صلى الله عليه وسلم للأمة التي أراد مولاها عتقها، إن كانت مؤمنة، فاختبرها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بأن قال لها: " أين اللّه. " فأشارت إلى السماء، ثم قال لها: " من أنا " قالت: أنت رسول الله. قال: " أعتقها فإنها مؤمنة " فاكتفى رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم منها برفع رأسها إلى السماء واستغنى بذلك عما سواه.
قال: وأما احتجاجهم بقوله تعالى " ما يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ " سورة المجادلة آية 7. فلا حجة لهم في ظاهر هذه الآية، لأن علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم التأويل في القرآن قالوا في تأويل هذه الآية: هو على العرش وعلمه في كل مكان، وما خالفهم في ذلك يحد يحتج بقوله.
وذكر سنيد، عن مقاتل بن حيان، عن الضحاك بن مزاحم في قوله تعالى: " ما يكون من نجوى ثلاث إلا هو رابعهم " قال: هو على عرشه وعلمه معهم أينما كانوا. قال: وبلغني عن سفيان الثوري مثله.
قال سنيد: حدثنا حماد بن زيد، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال: اللّه فوق العرش وعلمه في كل مكان لا يخفى عليه شيء من أعمالكم. ثم ساق من طريق يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن عاصم بن بهدلة، عن زر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ما بين السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام، وما بين كل سماء إلى الأخرى خمسمائة عام، وما بين السماء السابعة إلى الكرسي مسيرة خمسمائة عام، وما بين الكرسي إلى الماء مسيرة خمسمائة عامٍ، والعرش على الماء، والله على العرش ويعلم أعمالكم. وذكر هذا الكلام أو قريباً منه في كتاب الاستذكار.
¥