وقال ابن فارس: (الوثن واحد الأوثان، وهي حجارة كانت تُعبد من دون الله). انظر: مجمل اللغة ص916، والمقاييس 6/ 85.
وتأمل في احتياط النبي صلى الله عليه وسلم وخوفه من إحياء الأوثان حينما أتاه رجل فقال: إني نذرت أن أنحر إبلاً ببوانة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ((هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ فقال: لا. قال: فأوف بنذرك)) رواه أبو داود وصحح إسناده ابن حجر كما في التلخيص (4/ 198).
فدل هذا الحديث على أن الرسول صلى الله عليه وسلم يمنع من فعل العبادة في مكان الأوثان، وإن أزيلت تلك الأوثان خشية أن تحيا بالعبادة مرة أخرى.
فالرسول صلى الله عليه وسلم حطّم معاقل الشرك .. وسد كل طريق يوصل إلى إحياءها.
الدليل الثاني: ما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي رضي الله عنه: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. أن لا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته).رواه مسلم 2/ 969.
دل هذا الحديث على أن ما كان فيه فتنة للناس كارتفاع القبر .. ووجود الصور فإنه يزال ... ولا يترك مع القدرة على إزالته ويرسل له مرشدين.
قال الإمام القرطبي رحمه الله: (وأما تعلية البناء الكثير على نحو ما كانت الجاهلية تفعله تفخيماً وتعظيماً فذلك يُهدمُ ويزال). تفسير القرطبي 10/ 381.
وقال ابن تيمية رحمه الله: (فهذه المساجد المبنية على قبور الأنبياء والصالحين والملوك وغيرهم، يتعين إزالتها بهدم أو بغيره هذا مما لا أعلم فيه خلافاً بين العلماء المعروفين) اقتضاء الصراط المستقيم 2/ 675.
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله عن حكم المساجد المبنية على القبور: (حكم الإسلام فيها أن تهدم كلها حتى تسوى بالأرض، وهي أولى بالهدم من مسجد الضرار) أ ـ هـ. إغاثة اللهفان 1/ 210.
الدليل الثالث: تحطيم إبراهيم عليه السلام للأصنام .. فلم يبقها ويرسل مرشدين يعلمون الناس. قال الله عز وجل عن إبراهيم: ((فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلَّا كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ)) ((الأنبياء:82) يعني فتاتاً.
وهكذا موسى عليه السلام عندما حرَّق العجل. الذي افتتن به بنو إسرائيل.
لقد صنع السامري العجل على طريقة تلاءم عصره .. وصنعه بطراز يجعل النفوس تميل إلى هذا العجل وذكِر أنه صنعه من ذهب.
فلما كان ذلك العجل ببناء مثير .. وعلى طرازٍ يجذب الأنظار افتتن به بنو إسرائيل فعبدوه مع الله.
ولقد ناصحهم هارون عليه السلام أشد المناصحة. . ونهاهم وزجرهم أتم الزجر .. ((وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي)) (طه: 90).
ولكن وجود هذا الصرح الشركي القائم .. والوثن الذي اتخذ إلهاً مع الله. وجوده مع وجود خيرة المرشدين وهم الأنبياء عليهم السلام لا يكفي. إذ لابد من هدمه.
وهكذا صنع موسى عليه السلام: ((وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً * إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً)) (طه: 97 - 98).
وقال سبحانه في الذين اتخذوا العجل: ((إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ)) (الأعراف: 152).
قال بعض السلف: مسجلة لكل صاحب بدعة إلى يوم القيامة.
الدليل الرابع: ما روى محمد بن وضاح (ص87) وغيره أن عمر بن الخطاب أمر بقطع الشجرة التي بويع تحتها النبي صلى الله عليه وسلم.وقد روى هذا الأثر ابن سعد في الطبقات بسنده عن نافع، الطبقات الكبرى 2/ 100، وذكره ابن حجر في الفتح (7/ 513) وقال: (ثم وجدت عند ابن سعد بإسناد صحيح عن نافع أن عمر ... ).
وقال ابن وضاح (ص87) في كتابه البدع والنهي عنها: (سمعت عيسى بن يونس مفتي طرسوس يقول: أمر عمر بن الخطاب بقطع الشجرة التي بويع تحتها النبي صلى الله عليه وسلم لأن الناس كانوا يذهبون فيصلون تحتها فخاف عليهم الفتنة). أ ـ هـ.
¥