تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[[هو أعظم جوامع دمشق، وللناس فيه قصائد وأقوال يضيق عنها الحصر، ولهم في بانيه الأول مذاهب، لا يعلم المحقق ما الثابت منها وما المختلق لطول الزمان وبنائها على الظن والتخمين، وإنا ذاكرون هنا ما نراه أقرب إلى العقل وإلى طبع الزمان، تاركين الباقي لأصحابه، ومما نراه ما بين بين ما قاله عز الدين بن شداد، قال: أخبرني أحمد بن عبد الكريم، المعروف ابن الخلال الحمصي أنه وقف على كتاب ألف لبعض الوزراء، وفيه أن الوزير قال وهو بحضرة العلاء المعري: إن الوليد لما هدم الحائط الشرقي حائط الجامع أن يعمق أساسه، وبينما هم يحفرون إذا بهم انتهوا إلى حائط، فأمرهم الوليد أن يحفروا أمامه ‘ فوجدوا فيه بابا ففتحوه، فوجدوا خلفه صخرة عليها كتابة، فحملت إليه فأحضر من قرأها، فإذا بها ما صورته:

لما كان العالم محدثا ثبت أن له محدِثا أحدثه، وصانعا صنعه، فبني هذا الهيكل لمضي ثلاثة آلاف وسبعمائة سنة لأهل الأسطوان، فإن رأى الداخل إليه أن يذكر بانيه بخير فعل والسلام.

فقيل لأبي العلاء: من أهل الأسطوان؟ فقال: لا أعرف، وأنشد:

سيسأل قوم ما الحجيج وما منى ** كما قال قوم من جديس وما طسم؟

يعني أن بعد العهد بالأوائل ينسي آثارهم، ويطمس المنار دون أخبارهم.

.....

إلى أن قال رحمه الله تعالى (العلامة بدران):

وأيا ما كان فإن المؤرخ لا يطمع في أن يعرف الزمن الذي أنشئت فيه دمشق وأسس جامعها، وكل ما يقال فيه فإنه تخرصات وأوهام لا يقف صاحبها على حقيقة، وغاية أمرنا هنا أن نذكر تاريخ جعله جامعا، على أن ذلك التاريخ أيضا يحار فيه الناظر، فلا يقدر أن يفرق بين الصحيح وغيره لما تغشاه من المبالغات، كما هو شأن كتب التاريخ عندنا، حتى أنهم أوصدوا أمر هذا الجامع إلى ما وراء العقول، وذلك لأنهم ينقلون كل خبر يسمعونه، ثم لا يحكمون عقولهم في التفرقة بين جيده ورديئه!، ولو أخذت أذكر جميع ما قاله المؤرخون عنه لكان موضوعنا هزءا عند أهل زماننا، لأن التاريخ عندهم لبس ثوبا غير ثوبه الأول، فأسس على التحقيق والتدقيق لا على التسليم بقول القائل أيا ما كان، فلذلك أضربت كثير مما ذكره ابن عساكر وغيره من أضرابه، واكتفيت بما تراه، وسأمهد لعذري شذرة مما قيل ليعلم المطالع ما كان عليه بعض القوم، فقد قال ياقوت في " معجم البلدان ": "" لو عاش الإنسان ألف سنة، وجعل يتردد كل يوم من أيامها إلى الجامع لكان يرى في اليوم ما لا يراه بأمسه!! "" فتأمل هذه المبالغة التي دونها قول المتنبي:

وأخفت أهل الشرك حتى أنه ** لتخافك النطف التي لم تخلق!!

ومثل هذا كثير فاعلم ذلك، وإليك ما نرويه منسوبا لقائله: قال الحافظ الذهبي في " مختصر تاريخ الإسلام ": [إن الوليد بن عبد الملك هو الذي بنى جامع دمشق أيام سلطنته وزخرفه، وكان نصفه الغربي كنيسة للنصارى، والنصف الآخر مسجدا للمسلمين، فأرضى الوليد النصارى بعدة كنائس صالحهم عليها، ثم هدمه إلا حيطانه الأربعة، وأنشأ قبة النسر والقناطر، وحلاه بالذهب والجواهر وستور الحرير، وبقي فيه العمل تسع سنين، وأنفق عليه الأموال العظيمة حتى جعله نزهة للناظرين]. انتهى.

وكان الابتداء به سنة سبع وثمانين.

...... إلى أن قال (العلامة بدران):

[وروى ابن عساكر بسنده إلى زيد بن واقد، قال: وكلني الوليد على العمال في بناء جامع دمشق فبينما نحن في العمل إذ وجدنا مغارة، فعرّفنا الوليد ذلك، فلما كان الليل وافى وبين يديه الشموع، فنزل فإذا هي كنيسة لطيفة ثلاثة أذرع في ثلاثة أذرع، وإذا فيها صندوق ففتح، فإذا فيه سفط، وفي السفط رأس يحيى بن زكريا عليهما السلام، قال: فرد إلى مكانه بأمر الوليد، وقال: اجعلوا العمود الذي فوقه مغيرا عن بقية الأعمدة، فجعل عليه عمود مسفط الرأس".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير