والشيء لا يقال فيه ثبت إلا إذا كان معلوما بالبديهة أو قد أقيمت عليه حجة
213
فسواء سمى المسمي هذا تعدادا أو تركيبا أو لم يسمه هو ثابت في نفس الأمر لا يمكن دفعه، والحقائق الثابتة لا تدفع بالعبارات المجملة المبهمة وإن شنع بها الجاهلون.
254
[أشار شيخ الإسلام هنا إلى قاعدة عظيمة في كون الحديث المتلقى بالقبول لا يطعن فيه بعلة محتملة]
وهذا الحديث قد يطعن فيه بعض المشتغلين بالحديث انتصارا للجهمية وإن كان لا يفقه حقيقة قولهم وما فيه من التعطيل، أو استبشاعا لما فيه من ذكر الأطيط كما فعل أبو القاسم المؤرخ، ويحتجون بأنه تفرد به محمد بن إسحاق / عن يعقوب بن عتبة عن جبير، ثم يقول بعضهم: ولم يقل ابن إسحاق حدثني.
فيحتمل أن يكون منقطعا، وبعضهم يتعلل بكلام بعضهم في ابن إسحاق، مع أن هذا الحديث وأمثاله وفيما يشبهه في اللفظ والمعنى لم يزل متداولا بين أهل العلم خالفا عن سالف، ولم يزل سلف الأمة وأئمتها يروون ذلك رواية مصدق به راد به على من خالفه من الجهمية متلقين لذلك بالقبول، حتى قد رواه الإمام أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة في كتابه في التوحيد الذي اشترط فيه أنه لا يحتج فيه إلا بأحاديث الثقات / المتصلة الإسناد
257
وممن احتج به الحافظ أبو محمد بن حزم في مسألة / استدارة الأفلاك، مع أن أبا محمد هذا من أعلم الناس لا يقلد غيره ولا يحتج إلا بما تثبت عنده صحته
259
فمن رد تلك الأحاديث المتلقاة بالقبول واحتج في نقضها بمثل هذه الموضوعات فإنما سلك سبيل من لا عقل له ولا دين، وكان في ذلك ممن يتبع الظن وما تهوى الأنفس، وهو من المقلدين لقوم لا علم لهم بحقيقة حالهم
277
ولكن قوله (يلزم الافتقار) من باب التعارض، فيحتاج إلى الجمع بين موجب الآية وبين هذا الدليل؛ لا تكون / الآية -لأجل ما يقال إنه يعارضها- تدل على نقيض مدلولها، هذا لا يقوله عاقل.
295
ولهذا يوجد في متكلمة الجهمية من المعتزلة ونحوهم شبه كثير [يعني باليهود] حتى إن من أحبار اليهود من يقرر الأصول الخمسة التي للمعتزلة
296
وحتى إن من النصارى من / يأخذ (فصوص الحكم) لابن عربي فيعظمه تعظيما شديدا ويكاد يغشى عليه من فرحه به، وبهذا يوجد في شيوخ الاتحادية موالون للنصارى ولعلهم يوالونهم أكثر من المسلمين.
303
كما يروى أن عمرو بن عبيد قال لأبي عمرو بن العلاء: أحب أن تقرأ هذا الحرف {وكلم الله موسى تكليما} ليكون موسى هو الذي كلم الله ولا يكون في الكلام دلالة على أن الله كلم أحدا، فقال له: وكيف تصنع بقوله {ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه}
305
والنافية الكلية السالبة تناقض بإثبات معين كما في قوله تعالى: {وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى}
449
والكلام عنهم [السمنية] أنهم لا يقرون من العلوم إلا بالحسيات، ولكن قد يقول بعض الناس: إنهم أرادوا بذلك أن ما لا يدركه الإنسان بحسه فإنه / لا يعلمه حتى يقولوا عنهم: إنهم ينكرون المتواترات والمجربات والبديهيات، وهذا -والله أعلم- غلط عليهم.
كما غلط هؤلاء في نقل مذهب السوفسطائية فزعموا أن فرقة من الناس تنكر وجود شيء من الحقائق، ومن المعلوم أن أمة يكون لها عقل يفارقون به المجانين لا يقولون هذا، ولكن قد تقع السفسطة في بعض الأمور وبعض الأحوال، وتكون كما فسرها بعض الناس أن السفسطة هي كلمة معربة، وأصلها / يونانية (سوفسقيا) ومعناها الحكمة المموهة، فإن لفظ (سوفيا) يدل في لغتهم على الحكمة، ولهذا يقولون (فيلاسوفا) أي محب الحكمة، فلما كان من القضايا ما يعلم بالبرهان ومنه ما يثبت بالقضايا المشهورة، وبعضها يناظر فيه بالحجج المسلمة وبعضها تتخيله النفس وتشعر به فيحركها وإن لم / تكن صادقة وهي القضايا الشعرية، ومنها ما يكون باطلا لكن يشبه الحق، فهذه الحكمة المموهة هي المسماة بالسفسطة عند هؤلاء، وقد تكلمنا على هذا في غير هذا الموضع.
¥