((وقال الأشعري في الإبانة: قال الشيخ تقي الدين في الرسالة المدنية مذهب أهل الحديث وهم السلف من القرون الثلاثة ومن سلك سبيلهم من الخلف أن هذه الأحاديث تمر كما جاءت ونؤمن بها وتصدق وتصان عن تأويل يفضي إلى تعطيل وتكييف يفضي إلى تمثيل وقد أطلق غير واحد ممن حكى إجماع السلف منهم الخطابي أنها تجري على ظاهرها)).
فلماذا لا تقنع بإجماعهم، ولا تغتر بما نقل عن بعضهم من تأويل، فهو محمول على أمور:
1) عدم العصمة، وكل يؤذ من قوله ويرد إلا محمد صلى الله عليه وسلم، وإجماع الأمة يقضي على كل خلاف.
2) عدم صحة النقل، فإذا كانت الأحاديث الموضوعة والمنكرة التي تنسب إلى النبي صلى اله عليه وسلم قد بلغت المجلدات فكيف بمن دونه ممن قد لا تجد أقواله عناية من أهل الخبرة كالعناية بحديث النبي صلى الله عليه وسلم.
3) ما ابتلي كثير من علماء الأمة المعتبرين ببعض الأصحاب فيهم انحراف في العقيدة، أو بوراقين، ونساخ أما عباد جهال، أو أهل معرفة يكذبون، أو أهل نحلة يفسدون، أو ذوي مطامع مادية لا يهمهم تدقيق ما يكتبون؛ فلا يبعد أن يدخلوا، أو يدسوا في كتب أهل السنة ما ليس فيها، أو من الأقوال ماليس لهم، ومن مارس الاشتغال بتراث الأمة رأى من ذلك الشيء الكثير، وليس ذلك بغريب ففي عصرنا الحاضر و حتى مع وجود المؤلف وتطور الإمكانات ترى من السقط والزيادة، بل والدس في الكتب ما الله به عليم.
4) كلام لهم محتمل: يحتمل المعنى الحق، ويحتمل المعنى الباطل، فإذا رد هذا الكلام إلى ما عرف عنهم من المعتقد الصحيح، انكشف الغطاء، وبان الحق الذي لا مرية فيه.
ولعله بالمثال يتضح المقال: قال الكاتب ص: ((حتى أشد الناس تمسكاً برأي السلف قد فوض، وهو الإمام أحمد بن حنبل من ذلك تأويله في الحجر الأسود يمين الله في الأرض)).
نقول: كلام الكاتب باطل من وجوه:
الأول: أول من نسب هذا الكلام إلى الإمام أحمد، هو أبو حامد الغزالي حيث يقول: ((فأبعد عن الناس عن التأويل أحمد بن حنبل رحمة الله عليه، فقد سمعت الثقات من أئمة الحنابلة ببغداد يقولون: إن أحمد بن حنبل رحمه الله صرح بتأويل ثلاثة أحاديث فقط:
أحدها: قوله صلى الله عليه وسلم: ((الحجر الأسود يمين الله في الأرض)) ... الخ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((هذه الحكاية كذب على أحمد، لم ينقلها أحد عنه بإسناد ولا يعرف أحد من أصحابه نقل ذلك عنه، وهذا الحنبلي الذي ذكره أبو حامد مجهول لايعرف، لا علمه بما قال ولا صدقه فيما قال)).
والغزالي بشهادة نفسه ليس له عناية بعلم الرواية، ولا بتمييز الصحيح من الضعيف، فهو يقول عن نفسه: ((وبضاعتي في الحديث مزجاة)).
الثاني: أن الحديث ضعيف، ومع ذلك فإن نص هذا الحديث لا يحتاج إلى تأويل أصلاً، فأول الحديث وآخره يبين أن الحجر ليس من صفات الله كما هو معلوم عند كل عاقل.
الثالث: أنه قد ثبت عن الإمام أحمد ما يضاد ما نقله الغزالي من ذلك:
قال أحمد في رواية الميموني: من زعم أن يداه نعمتاه كيف يصنع بقوله {خلق بيدي} ص/75 مشددة.
ومع هذا الإثبات الإمام أحمد يرفض التشبيه حيث جاء في شرح أصول السنة للآئكائي بسنده عن أحمد بن يعقوب: بلغني أن أحمد بن حنبل قرأ عليه رجل: {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه} الزمر/67 قال: ثم أومأ بيده.
فقال له أحمد: قطعها الله قطعها الله قطعها الله. ثم حرد. وقام.
والخلاصة أن أهل السنة والجماعة يثبتون صفات الله عز وجل بالإجماع، فمن العلماء من نقل إجماعهم على إثبات كل الصفات، ومنهم من يؤكد ذلك بنقل إجماعهم على صفة من الصفات كما قال أبو الحسن الأشعري في ((رسالة إلى أهل الثغر)) (ص 225): ((وأجمعوا على انه عز وجل يسمع ويرى، وأن له تعالى يدين مبسوطتين)).
ومن لم يسعه كتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، إجماع السلف فلا وسع الله عليه.
الملاحظة الخامسة: التهويش والتلبيس والتمويه، وذلك من خلال:
¥