تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وما اشتهر له ذلك إلا لمبالغته فيه مع تصحيح النية وإلا فمن رأينا من العلماء قنع من الدنيا بمثل ما قنع هو منها أو رضي بمثل حالته التي كان عليها لم يسمع انه رغب في زوجة حسناء ولا سرية حوراء ولا دار قوراء ولا مماليك جوار ولا بساتين ولا عقار ولا شد على دينار ولا درهم ولا رغب في دواب ولا نعم ولا ثياب ناعمة فاخرة ولا حشم ولا زاحم في طلب الرئاسات ولا رئي ساعيا في تحصيل المباحان مع أن الملوك والأمراء والتجار والكبراء كانوا طوع أمره خاضعين لقوله وفعله وادين أن يتقربوا إلى قلبه مهما أمكنهم مظهرين لإجلاله أو أن يؤهل كلا منهم في بذل ماله.

فأين حاله هذه من أحوال بعض المنتسبين إلى العلم وليسوا من أهله ممن قد أغراه الشيطان بالوقيعة فيه بقوله وفعله أترى ما نظروا ببصائرهم إلى صفاتهم وصفاته وسماتهم وسماته وتحاسدهم في طلب الدنيا وفراغه عنها وتحاشدهم في الاستكثار منها ومبالغته في الهرب منها وخدمتهم الأمراء واختلافهم إلى أبوابهم وذل الأمراء بين يديه وعدم اكتراثه بكبرائهم وأترابهم ومداجاتهم وإظهار تعبداتهم وصدعه إياهم بالحق وقوة جأشه في محاورتهم بلى والله، ولكن قتلتهم ألحالقه، حالقة الدين لا حالقة الشعر، وغطى على أحلامهم حب الدنيا السارقة سارقة العقل لا سارقه البدن حتى أصبحوا قاطعين من يأتيهم في طلبها واصلين من وأصلهم في جلبها.

الفهرس


الفصل السابع في إيثاره مع فقره وتواضعه

كان رضي الله عنه مع شدة تركه للدنيا ورفضه لها وفقره فيها وتقلله منها مؤثرا بما عساه يجده منها قليلا كان أو كثيرا جليلا أو حقيرا لا يحتقر القليل فيمنعه ذلك عن التصدق به ولا الكثير فيصرفه النظر إليه عن الإسعاف به فقد كان يتصدق حتى إذا لم يجد شيئا نزع بعض ثيابه المحتاج إليه فيصل به الفقير وكان يستفضل من قوته القليل الرغيف و الرغيفين فيؤثر بذلك على نفسه وربما خبأهما في كمه ويمضي ونحن معه لسماع الحديث فيراه بعضنا وقد دفعه إلي الفقير مستخفيا يحرص أن لا يراه أحد. وكان إذا ورد عليه فقير وآثر المقام عنده يؤثره عند الأكل بأكثر قوته الذي جعل برسمه.

حدثني الشيخ الصالح العارف زين الدين علي الو اسطي ما معناه انه أقام بحضرة الشيخ مدة طويلة قال فكان قوتنا في غالبها انه كان في بكرة النهار يأتيني ومعه قرص قدره نصف رطل خبزا بالعراقي فيكسره بيده لقما ونأكل منه أنا وهو جميعا ثم يرفع يده قبلي ولا يرفع باقي القرص من بين يدي حتى اشبع بحيث أني لا أحتاج إلي الطعام إلى الليل وكنت أرى ذلك من بركة الشيخ ثم يبقى إلي بعد العشاء الآخرة حتى يفرغ من جميع عوائده التي يفيد الناس بها في كل يوم من أصناف القرب فيؤتي بعشائنا فيأكل هو معي لقيمات ثم يؤثرني بالباقي وكنت أسأله ان يزيد على أكله فلا يفعل حتى إني كنت في نفسي أتوجع له من قلة أكله

وكان هذا دأبنا في غالب مدة إقامتي عنده وما رأيت نفسي أغني منها في تلك المدة ولا رأيتني أفقر هما مني فيها.

وحكى غير واحد ما اشتهر عنه من كثرة الإيثار وتفقد المحتاجين والغرباء ورقيقي الحال من الفقهاء والقراء واجتهاده في مصالحهم وصلاتهم ومساعدته لهم بل ولكل أحد من العامة والخاصة ممن يمكنه فعل الخير معه وإسداء المعروف إليه بقوله وفعله ووجهه وجاهه.

وأما تواضعه فما رأيت ولا سمعت بأحد من أهل عصره مثله في ذلك كان يتواضع للكبير والصغير والجليل والحقير والغنى الصالح والفقير وكان يدني الفقير الصالح ويكرمه ويؤنسه ويباسطه بحديثه المستحلى زيادة على مثله من الأغنياء حتى أنه ربما خدمه بنفسه وأعانه بحمل حاجته جبرا لقلبه وتقربا بذلك إلي ربه.

وكان لا يسأم ممن يستفتيه أو يسأله بل يقبل عليه ببشاشة وجه ولين عريكة ويقف معه حتى يكون هو الذي يفارقه كبيرا كان أو صغيرا رجلا أو امرأة حرا أو عبدا عالما أو عاميا حاضرا أو باديا ولا يجبهه ولا يحرجه ولا ينفره بكلام يوحشه بل يجيبه ويفهمه ويعرفه الخطأ من الصواب بلطف وانبساط.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير