تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قلت وربما توهم بعض من يحتاج إلى التفهيم ان هذا الفعل من الشيخ فيه إضاعة المال أو نوع من التبذل الذي يشين المروءة وليس الأمر كذلك فإنه لم يكن عنده حينئذ معلوم غير ثيابه ورأى أن قطع غير العمامة من بقية لباسه مما يفسده ولا يحصل به المقصود ولم يكن عليه ولا عنده حينئذ ثوب صحيح لا يحتاج إليه حتى يدفعه إليه فسارع إلى قطع ما يستغنى ببعضه عن كله فيما وضع له وهو العمامة فنفع أخاه المسلم وسد حاجته حينئذ ببعضها واستغنى هو بباقيها وهذا هو أكمل التصرف الصالح والرشد التام

والجود المذكور المشهور والإيثار بالميسور وأما التبذل الذي فيه نوع إسقاط المروءة فليس من هذا القبيل في شيء بل هذا من المبالغة في التواضع وعدم رؤية النفس في محل الاحتشام ورفض إرادة المرء تعظيم نفسه بحضرة الحاضرين وهذه خصال محمودة مطلوبة شرعا وعقلا

وقد روي مثل ذلك عن سيد الأنام وأكمل الخلق مروءة وعقلا وعلما محمد المصطفى انه لبس يوما شملة سوداء لها حواش بيض وخرج إلى المسجد وجماعة من المسلمين حضور فرآه إنسان فقال يا رسول الله أعطني هذه الشملة وكان لا يمنع سائلا يسأله فنزعها رسول الله عن جسدة المكرم ودفعها إلى ذلك

الرجل وطفق الناس يلومون ذلك الرجل على ما فعل وكونه سأل النبي وكان محتاجا إلى ما لبسه وقد علم انه لا يمنع شيئا يسأله فقال الرجل معتذرا إليهم إني لم أطلبها لألبسها لكن لأجعلها لي كفنا عند موتي.

قال الراوي فامسكها عنده حتى كانت كفنه.

وهذا حديث مشهور قد رواه غير واحد من الحفاظ النقلة الثقات وهو من أوضح الدلائل على ما قلناه بل أبلغ في الجود والتواضع وكسر النفس وكرم الأخلاق.

وحدثني من أثق به أن الشيخ رضي الله عنه كان مارا يوما في بعض الأزقة فدعا له بعض الفقراء وعرف الشيخ حاجته ولم يكن مع الشيخ ما يعطيه فنزع ثوبا على جلده ودفعه إليه وقال بعه بما تيسر وأنفقه واعتذر إليه من كونه لم يحضر عنده شئ من النفقة.

وهذا أيضا من المبالغة في عدم اكتراثه في غير ما يقرب إلى الله تعالى وجوده بالميسور كائنا ما كان وهذا من أبلغ إخلاص العمل لله عز وجل فسبحان الموفق من شاء لما شاء.

وحدثني من أثق به أن الشيخ رضي الله عنه كان لا يرد أحدا يسأله شيئا كتبه بل يأمره أن يأخذ هو بنفسه ما يشاء منها.

وأخبرني أنه جاءه يوما إنسان يسأله كتابا ينتفع به فأمره أن يأخذ كتابا يختاره فرأى ذلك الرجل بين كتب الشيخ مصحفا قد اشترى بدراهم كثيرة فأخذه ومضى

فلام بعض الجماعة الشيخ في ذلك فقال أيحسن بي أن امنعه بعد ما سأله دعه فلينتفع به.

وكان الشيخ رضي الله عنه ينكر إنكارا شديدا على من يسأل شيئا من كتب العلم التي يملكها ويمنعها من السائل ويقول ما ينبغي أن يمنع العلم ممن يطلبه.

ومن كرمه انه كان لا ينظر مع ذلك إلى جهة الملك والتمول وهذا القدر من كرمه يغنى المقتدي به.

الفهرس


الفصل الحادي عشر في ذكر قوة قلبه وشجاعته

كان رضي الله عنه من أشجع الناس وأقواهم قلبا ما رأيت أحدا أثبت جأشا منه ولا أعظم عناء في جهاد العدو منه كان يجاهد في سبيل الله بقلبه ولسانه ويده ولا يخاف في الله لومة لائم

وأخبر غير واحد أن الشيخ رضي الله عنه كان إذا حضر مع عسكر المسلمين في جهاد يكون بينهم واقيتهم وقطب ثباتهم إن رأى من بعضهم هلعا أو رقة أو جبانة شجعه وثبته وبشره ووعده بالنصر والظفر والغنيمة وبين له فضل الجهاد والمجاهدين وإنزال الله عليهم السكينة

وكان إذا ركب الخيل يتحنك ويجول في العدو كأعظم الشجعان ويقوم كأثبت الفرسان ويكبر تكبيرا انكى في العدو من كثير من الفتك بهم ويخوض فيهم خوض رجل لا يخاف الموت.

وحدثوا أنهم رأوا منه في فتح عكة أمورا من الشجاعة يعجز الواصف عن وصفها، قالوا ولقد كان السبب في تملك المسلمين إياها بفعله ومشورته وحسن نظره.

ولما ظهر السلطان غازان على دمشق المحروسة جاءه ملك الكرج وبذل له أموالا كثيرة جزيلة على ان يمكنه من الفتك بالمسلمين من أهل دمشق ووصل الخبر إلى الشيخ فقام من فوره وشجع المسلمين ورغبهم في الشهادة ووعدهم على قيامهم بالنصر والظفر والأمن وزوال الخوف

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير