تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وحدثني الشيخ الصالح الورع عثمان بن احمد بن عيسى النساج أن الشيخ رضي الله عنه كان يعود المرضى بالبيمارستان بدمشق في كل أسبوع فجاء على عادته فعادهم فوصل إلى شاب منهم فدعا له فشفي سريعا وجاء إلى الشيخ يقصد السلام عليه فلما رآه هش له وأدناه ثم دفع إليه نفقة وقال قد شفاك الله فعاهد الله أن تعجل الرجوع إلى بلدك أيجوز أن تترك زوجتك وبناتك أربعا ضيعة وتقيم هاهنا؟ فقبل يده وقال يا سيدي أنا تائب إلى الله على يدك وقال الفتى وعجبت مما كاشفني به وكنت قد تركتهم بلا نفقة ولم يكن قد عرف بحالي أحد من أهل دمشق.

وحدثني من أثق به أن الشيخ رضي الله عنه أخبر عن بعض القضاة انه قد مضى متوجها إلى مصر المحروسة ليقلد القضاء وأنه سمعه يقول حال ما اصل إلى البلد قاضيا احكم بقتل فلان رجل معين من فضلاء أهل العلم والدين قد أجمع الناس على علمه وزهده وورعه ولكن حصل في قلب القاضي منه من الشحناء والعداوة ما صوب له الحكم بقتله فعظم ذلك على من سمعه خوفا من وقوع ما عزم عليه من القتل لمثل هذا الرجل الصالح وحذرا على القاضي أن يوقعه الهوى والشيطان في ذلك فيلقى الله متلبسا بدم حرام وفتك بمسلم معصوم الدم بيقين وكرهوا وقوع مثل ذلك لما فيه من عظيم المفاسد فأبلغ الشيخ رضي الله عنه هذا الخبر بصفته، فقال إن الله لا يمكنه مما قصد ولا يصل إلى مصر حيا فبقى بين القاضي وبين مصر قدر يسير وأدركه الموت فمات قبل وصولها كما أجرى الله تعالى على لسان الشيخ رضي الله عنه.

قلت وكرامات الشيخ رضي الله عنه كثيرة جدا لا يليق بهذا المختصر اكثر من ذكر هذا القدر منها ومن اظهر كراماته أنه ما سمع بأحد عاداه أو غض منه إلا وابتلي بعدة بلايا غالبها في دينه وهذا ظاهر مشهور لا يحتاج فيه إلى شرح صفته.

الفهرس


الفصل العاشر في ذكر كرمه رضي الله عنه

كان رضي الله عنه مجبولا على الكرم لا يتطبعه ولا يتصنعه بل هو له سجيةوقد ذكرت فيما تقدم أنه ما شد على دينار ولا درهم قط بل كان مهما قدر على شيء من ذلك يجود به كله وكان لا يرد من يسأله شيئا يقدر عليه من دراهم ولا دنانير ولا ثياب ولا كتب ولا غير ذلك

بل ربما كان يسأله بعض الفقراء شيئا من النفقة فإن كان حينئذ متعذرا لا يدعه يذهب بلا شئ بل كان يعمد إلى شئ من لباسه فيدفعه إليه وكان ذلك المشهور عند الناس من حاله

حدثني الشيخ العالم الفاضل المقرئ أبو محمد عبد الله ابن الشيخ الصالح المقرئ احمد بن سعيد قال كنت يوما جالسا بحضرة شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه فجاء إنسان فسلم عليه فرآه الشيخ محتاجا إلى ما يعتم به فنزع الشيخ عمامته من غير أن يسأله الرجل ذلك فقطعها نصفين واعتم بنصفها ودفع النصف الآخر إلى ذلك الرجلولم يحتشم للحاضرين عنده.

قلت وربما توهم بعض من يحتاج إلى التفهيم ان هذا الفعل من الشيخ فيه إضاعة المال أو نوع من التبذل الذي يشين المروءة وليس الأمر كذلك فإنه لم يكن عنده حينئذ معلوم غير ثيابه ورأى أن قطع غير العمامة من بقية لباسه مما يفسده ولا يحصل به المقصود ولم يكن عليه ولا عنده حينئذ ثوب صحيح لا يحتاج إليه حتى يدفعه إليه فسارع إلى قطع ما يستغنى ببعضه عن كله فيما وضع له وهو العمامة فنفع أخاه المسلم وسد حاجته حينئذ ببعضها واستغنى هو بباقيها وهذا هو أكمل التصرف الصالح والرشد التام

والجود المذكور المشهور والإيثار بالميسور وأما التبذل الذي فيه نوع إسقاط المروءة فليس من هذا القبيل في شيء بل هذا من المبالغة في التواضع وعدم رؤية النفس في محل الاحتشام ورفض إرادة المرء تعظيم نفسه بحضرة الحاضرين وهذه خصال محمودة مطلوبة شرعا وعقلا

وقد روي مثل ذلك عن سيد الأنام وأكمل الخلق مروءة وعقلا وعلما محمد المصطفى انه لبس يوما شملة سوداء لها حواش بيض وخرج إلى المسجد وجماعة من المسلمين حضور فرآه إنسان فقال يا رسول الله أعطني هذه الشملة وكان لا يمنع سائلا يسأله فنزعها رسول الله عن جسدة المكرم ودفعها إلى ذلك

الرجل وطفق الناس يلومون ذلك الرجل على ما فعل وكونه سأل النبي وكان محتاجا إلى ما لبسه وقد علم انه لا يمنع شيئا يسأله فقال الرجل معتذرا إليهم إني لم أطلبها لألبسها لكن لأجعلها لي كفنا عند موتي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير