وقد وقع في حياته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قصة ذكرها الله تبارك وتعالى في القرآن في شأن المنافقين الذين خلت قلوبهم من محبة الله ومحبة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -عافنا الله وإياكم من النفاق- يقول الله تبارك وتعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) [التوبة:65 - 66] فهذه الآيات نزلت في المنافقين لما أظهروا بغض أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكرههم واستهزاءهم بهم، فهم لم يستهزئوا بالله عز وجل بعباراتهم التي قالوها، ولم يستهزئوا برسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يظهروا بغض الله عز وجل، أو بغض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما أظهروا بغض الصحابة على طريق الاستهزاء بهم، الاستهزاء الذي ينمُّ عما في القلب من بغضاء وعداوة وحقد يتنافى مع المحبة التي أمر الله تعالى بها له ولرسوله وللمؤمنين، فقالوا: {ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أوسع بطوناً ولا أجبن عند اللقاء}، فهم سخروا واستهزءوا بالصحابة الكرام من القراء، بأنهم يقبلون عند الطعام، ويتأخرون عند الفزع وعند مجيء العدو، وكأن حال المنافقين العكس، وهذا هو أبطل الباطل وأكذب الكذب فماذا كانت النتيجة، أنزل الله تبارك وتعالى هذه الآيات: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ) [التوبة:65] وهذا الذي وقع، فعندما سألهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالوا: إنما كنا نمزح ونلهو ونخوض ونلعب، ولم نكن نقصد الإساءة إلى الصحابة وإلى هؤلاء القراء.
وقد قسم شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- الشرك إلى أربعة أنواع:
الأول: شرك الدعوة: والدليل قوله تعالى: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ) [العنكبوت:65].
الثاني: شرك النية والإرادة والقصد: والدليل قوله تعالى: (مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ (15) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [هود:16،15].
الثالث: شرك الطاعة: والدليل قوله تعالى: (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهاً وَاحِداً لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [التوبة:31]. وتفسيرها الذي لا إشكال فيه: طاعة العلماء والعباد في المعصية، لا دعاؤهم إياهم، كما فسرها النبي لعدي بن حاتم لما سأله، فقال: (لسنا نعبدهم!) فذكر له أن عبادتهم طاعتهم في المعصية.
الرابع: شرك المحبة: والدليل قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ) [البقرة:165].
هذا ما تيسر لي قوله، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولجميع المسلمين والحمد لله رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـ[أم عمار الشامي]ــــــــ[27 - 10 - 08, 10:51 م]ـ
كلام شافي
جزاكم الله خير وأحسن إليكم
ومن له إضافة فليضيف بارك الله في الجميع
ولي سؤال: هل كثرة التفكير في المحبوب وكثرة الحديث عنه يعتبر من علامات الشرك في المحبة؟
ـ[معاذ العائذي]ــــــــ[27 - 10 - 08, 11:22 م]ـ
* قال الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمهُ الله، في: " الدرر" (13/ 73) مانصهُ:
" .. والمحبةُ تقسمُ إلى اربعةِ انواع:
1 - محبةٌ شركية: وهي محبة الذين قال اللهُ فيهم: (ومن الناس من يتخذُ من دون الله اندادا يحبونهم كحب الله والذين امنوا اشد حباً لله) إلى قوله: (وماهم بخارجين من النار).
2 - المحبة الثانية: حب الباطل واهله، وبغض الحق واهله، وهذه صفة المنافقين.
3 - المحبة الثالثة: طبيعية، وهي محبةُ المال والولد، فإذا لم تشغل عن طاعة الله، ولم تعن على محارم الله فهي مباحة.
4 - والمحبة الرابعة: حُبُ اهل التوحيد، وبغض اهل الشرك، وهي اوثق عرى الإيمان، واعظم مايعبد بها الإنسان ربه. " اهـ.
وبنحو هذا، قال ابن القيم رحمه الله في " الجواب الكافي "، وانقلُ من كلامه ما نحتاجه:
" هنا اربعة انواع من الحب، يجب التفريق بينها، وإنما ضل من ضل بعدم التمييز بينها:
احدها: محبة الله:، ولا تكفي وحدها في النجاة من عذابه والفوز بثوابه، فإن المشركين وعُباد الصليب واليهود وغيرهم يحبون الله ... - إلى ان قال -
الرابع: المحبةُ مع الله، وهي المحبةُ الشركية،، وكُل من احب شيئاً مع الله لا لله ولا من اجله ولا فيه فقد إتخذه ندا من دون الله وهذه محبةُ المشركين ".
وبنحوه قال إبن سعدي رحمه ُ الله في " القول السديد ": .. الثالث: محبةٌ مع الله وهي محبة المشركين لآلهتهم واندادهم من شجرٍ،وحجرٍ، وبشر، وملك، وغيره وهي اصل ُ الشرك واساسه ".
وقال ابن عثيمين -رحمه الله - في " القول المفيد " (2/ 623): " .. القسمُ الأول: محبةُ عبادة: وهي التي توجبُ التذلل والتعظيم، وان يقوم بقلب الإنسان من إجلال المحبوب وتعظيمهِ ما يقتضي ان يمتثل امرهُ ويجتنبَ نهيه، وهذه خاصةٌ بالله، فمن احب مع الله غيرهُ محبة عبادة: فهو مشرك شِركاً اكبر .. ".
وبقي الإشارة إلى التنبيه في ان إتخاذ الندية في المحبة منه ماهو شركٌ اكبر ومنهُ ماهودون ذلك ..
* ومضانُ هذهِ المسألة شُروحُ التوحيدِ كافة، في موضعين من الكتاب:
1 - باب تفسير التوحيد وشهادة ان لا إله إلا الله.
2 - باب قول الله تعالى: (ومن الناس من يتخذ من دون الله اندادا .. ).واللهُ اعلم ..
¥