تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال الضحاك، وقتادة: {في الآفاق}: ما أصاب الأمم المكذبة في أقطار الأرض قديماً، {وفي أنفسهم}: يوم بدر.

وقال عطاء، وابن زيد: في آفاق السماء، وأراد الآيات في الشمس والقمر والرياح وغير ذلك، وفي أنفسهم عبرة الإنسان بجمسه وحواسه وغريب خلقته وتدريجه في البطن ونحو ذلك.

ونبهوا بهذين القولين عن لفظ سنريهم، لأن هلاك الأمم المكذبة قديماً، وآيات الشمس والقمر وغير ذلك، قد كان ذلك كله مريباً لهم، فالقول الأول أرجح.

-قال الألوسي-رحمه الله-:

{ءاياتنا فِى الافاق وَفِى} الخ مرتبط على ما اختاره «صاحب الكشاف» بقوله تعالى: {قُلْ أَرَءيْتُمْ} [فصلت: 52] الخ على وجه التتميم والإرشاد إلى ما ضمن من الحث على النظر ليؤدي إلى المقصود فيهدوا إلى إعجازه ويؤمنوا بماجاء به ويعملوا بمقتضاه ويفوزوا كل الفوز، وفسر الآيات بما أجرى الله تعالى على يد نبيه صلى الله عليه وسلم وعلى أيدي خلفائه وأصحابهم رضي الله تعالى عنهم من الفتوحات الدالة على قوة الإسلام وأهله ووهن الباطل وحزبه، والآفاق النواحي الواحد أفق بضمتين وأفق بفتحتين أي سنريهم آياتنا في النواحي عموماً من مشارق الأرض ومغاربها وشمالها وجنوبها، وفيه أن هذه الإراءة كانئة لا محالة حق لا يحوم حولها ريبة {وَفِى أَنفُسِهِمْ} في بلاد العرب خصوصاً وهو من عطف {جبريل} على {ملائكته} [البقرة: 98]. وفي العدول عنها إلى المنزل ما لا يخفى من تمكين ذلك النصر وتحقيق دلالته على حقية المطلوب إثباته وإظهار أن كونه آية بالنسبة إلى الأنفس وإن كان كونه فتحا بالنسبة إلى الأرض والبلدة

-قال ابن عاشور-رحمه الله-:

فالمراد بالآيات في قوله: {سنريهم آياتنا} ما يشمل الدلائل الخارجة عن القرآن وما يشمل آيات القرآن فإن من جملة معنى رؤيتها رؤية ما يصدِّق أخبارها ويبيّن نصحها إياهم بدعوتها إلى خير الدّنيا والآخرة.

والآفاق: جمع أُفُق بضمتين وتسكن فاؤه أيضاً هو: الناحية من الأرض المتميزة عن غيرها، والناحية من قبة السماء. وعطف {وفي أنفسهم} يجوزُ أن يكون من عطف الخاص على العام، أي وفي أفق أنفسهم، أي مكّة وما حولها على حذف مضاف.

والأحسن أنْ يكون في الآفاق على عمومه الشامل لأفقهم، ويكون معنى {وفي أنفسهم} أنّهم يرون آيات صدقه في أحوال تصيب أنفسهم، أي ذواتهم مثل الجوع الذي دعا عليهم به النبي صلى الله عليه وسلم ونزل فيه قوله تعالى: {فارتَقِبْ يوم تأتي السماء بدخان مبين} [الدخان: 10]، ومثل ما شاهدوه من مَصارِع كبرائهم يوم بدر وقد توعدهم به القرآن بقوله {يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون} [الدخان: 16]. وأيَّة عبرة أعظم من مقتل أبي جهل يوم بدر رماه غلامان من الأنصار وتولى عبد الله بن مسعود ذبحه وثلاثتهم من ضعفاء المسلمين وهو ذلك الجبار العنيد. وقد قال عند مَوته: لو غيرُ أكَّار قتلني، ومن مقتل أُبيّ بن خلف يومئذٍ بيد النبي صلى الله عليه وسلم وقد كان قال له بمكة: أنا أقتلُك وقد أيقن بذلك فقال لزوجه ليلة خروجه إلى بدر: والله لو بصق علي لقتلني.

****

خلاصة أقوال المفسرين تنتظم في أربعة معان:

1 - آيات الآفاق هي آيات تاريخية ماضية تتعلق بمصارع الأمم .. وإراءتها لهم إما عن طريق الإخبار بقصصهم أو الدلالة على ما تبقى من آثارهم في جزيرة العرب.

2 - آيات الآفاق هي آيات تاريخية في الحاضر والمستقبل القريب، تتعلق بانتصارات المسلمين وفتوحاتهم في معمور الأرض .. وقسيمها آيات الأنفس وهي الانتصارات التي حققها المسلمون على قريش نفسها مثل بدر وفتح مكة.

3 - آيات الآفاق هي العقوبات التي حلت بهم (الدخان المبين)، وآيات الأنفس هي مصارع صناديدهم وما أصابهم من جوع وقحط.

4 - آيات الآفاق آيات طبيعية تتمثل في دلائل الربوبية من شمس وقمر ونجوم وغيرها .. وآيات الأنفس ما يشاهده الإنسان في جسمه من عجائب الصنعة وغاية الحكمة.

هذا المعنى الأخير-وهو الذي يتمسك به أصحاب التفسير العلمي- مذكور ومعدود، لكن جمهور المفسرين رجحوا عليه غيره ...

ولعل سبب الترجيح يعود إلى اعتبار السياق والمقام ... فالمفسرون رأوا-عن حق- أن الموضع موضع تهديد ووعيد .. والمعاني الثلاث الأولى مناسبة لهذا المقام فجاء الوعيد بأنه سيصيبهم بعض ما أصاب الأمم الخالية .. وقد رأوا ذلك بأعينهم في عدة مناسبات:

وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ.

أما المعنى الرابع فلا وعيد فيه بل هو إلى الوعد أقرب.

أطبق المفسرون على أن الضمير المنصوب في "سنريهم" عائد على كفار قريش .. وتعميم الدلالة لا يصح مع إخراجهم منها،لأنه من المجمع عليه في قاعدة العبرة بعموم المعنى لا بخصوص السبب" أن المعنى الخاص متضمن في المعنى العام ضرورة .. فإن كان المراد من آيات الآفاق والأنفس الكشوفات العلمية الحديثة فهذه لم يروها قطعا ...

وقد يقال: تلك الآيات عامة لكل الكفار وهي في كل عصر بحسبه ..

لكن يعكر عليه أن هذا المعنى يتعارض مع السياق ومقصده ... فالمقصد هو التخويف والإنذار بالهزائم والكوارث، أما الكشوفات العلمية فهي وعد بانتصارات للعقل البشري!!

وليس ثمة مانع من تعميم دلالة الآيات لكن مع اتحاد جنسها ومناسبتها للمقام. مع الإشارة إلى أن هذه الآيات التي يلهجون بها لا تخرج عن دائرة الفرضيات والنظريات المشربة بالاحتمال ..

http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=103166

ومثل هذا لا يمكن أن يرقى بحال إلى التأكيد والقطع في قوله تعالى:

"حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ"

والله أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير