الجزءُ الثالثُ منَ الأخطاءِ اللُّغويّةِ الشائعةِ (سِلْسِلةٌ متَّصِلةٌ)
ـ[أبو قصي]ــــــــ[21 - 06 - 08, 12:46 ص]ـ
- الجزء الأول من الأخطاء اللغوية الشائعة ( http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=14)
- الجزء الثاني من الأخطاء اللغوية الشائعة ( http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=18)
http://www.ahlalloghah.com/images/up/db1531df03.jpg
الموضعُ الأوّلُ:
خطَّأ الشيخُ عليٌّ الطنطاويُّ أن يُقالَ: (دهسَه) بمعنى (دعسَه)؛ قالَ: (الدعْسُ: الوطْءُ الشديدُ .... وبعضُ الصحفيين عندنا يتفاصحون؛ فيكتبون: " دهسْت " بالهاء بدلَ العينِ. وذلك خطأ) ([1] ( http://www.ahlalloghah.com/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn1)) . وكذلكَ زعمَ صاحبُ (معجم الأخطاءِ الشائعةِ) ([2] ( http://www.ahlalloghah.com/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn2)) ، وصاحبُ (معجمِ أخطاء الكُتَّابِ) ([3] ( http://www.ahlalloghah.com/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn3)) .
والحقُّ أنَّه لم يرد في المعاجمِ الفعلُ (دهسَ)؛ ولكني وجدتُّه في شعرِ العجّاجِ - وهو حُجَّةٌ غيرَ ريبٍ -؛ قالَ:
** سنابكُ الخيلِ يصدِّعنَ الأيَرْ **
** من الصَّفا العاسي، ويدْهَسْنَ الغَدَرْ **
قالَ الأصمعي في شرحِهِ: (وقوله: " ويدهَسنَ الغدَر "؛ يقولُ: إذا مررنَ بموضعٍ صُلبٍ مرتفعٍ تركنَه دَهاسًا. والدَّهاسُ الترابُ الليِّنُ، ما لا يبلغُ أن يكونَ رملاً) ([4] ( http://www.ahlalloghah.com/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn4)) .
فقد رأيتَ أنَّ أصلَ الدهْسِ أن تُصيِّرَ الشيءَ الصُّلبَ، أو المرتفعَ سَهلاً ليِّنًا، وتسوِّيَه بالأرضِ.
وإذا كانَ كذلكَ جازَ أن يُطلقَ على الوطء الشديدِ؛ إذِ من لازمِه أن يدلَّ على هذا المعنَى.
على أنَّ بينَ (دعسَ)، و (دهسَ) فرقًا؛ فأصلُ الدعسِ الطَّعنُ، ثمَّ توسّعوا فيهِ. وأصلُ الدَّهسِ ما قد علمتَ؛ فإذا أردتَّ المبالغةَ في إثباتِ شدةِ الوطء، فالدَّهسُ أولَى، وأليقُ.
فقد تبيَّنَ إذًا جوازُ قولِك: (دهسَ) بالمعنى الذي ذكرنا.
الموضعُ الثاني:
يخطِّئونَ من يّقولُ: (هامّ) بمعنى الأمرِ الذي يُؤبَه لهُ، ويُحتفلُ بهِ، وبعضهم يخطّئ ذلكَ بإطلاقٍ، وبعضٌ آخرُ يعتدّه ضعيفًا. ويزعمونَ أنَّ الصوابَ، أو الأفصحَ في ذلك (مُهِمّ) ([5] ( http://www.ahlalloghah.com/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn5)). والكلامُ على (هامّ)، و (مُهِمّ) يحتاجُ إلى تفصيلٍ يُدارُ على مسائلَ:
المسألةُ الأولَى: في تصاريفِهما، ودَِلالةِ بِنيتِهما:
تقولُ: (همَّه يهُمُّه هَمًّا ومَهَمَّةً وتَهمامًا. وهذا المصدرُ الأخيرُ لم أجده في المعاجمِ. وشاهدُه قولُ أبي دُوَادٍ الإياديِّ في الأصمعياتِ:
منعَ النومَ ماويَ التَّهمامُ ... وجديرٌ بالهمِّ مَن لا يَنامُ
فاهتمَّ، وهو هامّ، واسم المفعولِ مهمومٌ، وصيغةُ التفضيلِ منه أهمُّ)، و (أهَمَّه يُهِمُّه إهمامًا؛ فهو مُهِمّ، وهي مُهِمّة؛ جمعُها مُهِماتٌ ومَهامُّ، واسم المفعولِ مُهَمّ، وصيغةُ التفضيلِ منه أشدُّ أو أكثرُ إهمامًا). تعديهِ بنفسِه، وبالهمزةِ، كما تقولُ: (بدأ الله الخلقَ، وأبدأه)، و (رجَعَه، وأرجعه)، و (حزَنَه، وأحزنَه). أما (الأهمية) فمصدرٌ صناعيُّ محدَثٌ منسوبٌ إلى (الأهمّ)، غلّبُوه على المعنى الثاني لهذينِ الفعلينِ - كما سيأتي -.
المسألة الثانية: في معانيهما في استعمالِ الناسِ اليومَ:
يستعملُ النَّاسُ اليومَ هاتينِ الكلمتينِ وتصاريفَهما للدلالةِ على معنيينِ:
الأول: بمعنى الأمرِ الذي يضيقُ منه الصدرُ، ويحزنُ له القلبُ.
الثاني: بمعنى الأمرِ الجسيم الذييؤبَهُ له، سواءٌ كانَ محزِنًا، أم مفرِحًا.
المسألةُ الثالثةُ: بيانُ حكمِ استعمالِهما بهذينِ المعنيينِ:
اعلمْ - وصلَكَ الله بفضلِهِ - أنَّ المُحتَكمَ إليهِ في ذلكَ إما سَماعٌ صحيحٌ عن العربِ الذينَ يُحتَجُّ بهم، وإما قياسٌ تشهدُ له النظائرُ.
فأمَّا السَّماعُ، فهو ثابتٌ فيهما جميعًا بالمعنيينِ؛ فأمَّا (همّه) بالمعنى الأوّلِ، فله شواهدُ، منها قولُ رؤبةَ:
** وهمُّ مهمومٍ ضَنينِ الأضْنَنِ **
وقالَ ذو الرمة:
¥