أجلْ؛ ولكنَّ من عوائدِ الاشتقاقِ وعوارضِه ضربًا اسمُه (التعميمُ بالاستحقاقِ)؛ وتأويلُ ذلكَ أنَّ (الهمَّ) كما يدُلُّ عليهِ أصلُ اشتقاقِهِ مِن شأنِهِ أن يذيبَ؛ ولكنْ ربَّما امتنعت إذابتُه لعارضٍ من الضَُّعفِ فيهِ، أو عارضٍ من القوَّةِ في المفعولِ بهِ الإذابةُ. ونظيرُ هذا لفظُ (معلومة) في كلامِ أهلِ هذا العصرِ؛ فإنَّهم يطلقونَه على ما مِن شأنِه أن يُعلَم؛ وإن كانَ لا يعلمُه كثيرٌ من النَّاسِ. وشاهدُه من الشِّعرِ قولُ مُويلكٍ المزمومِ في الحماسةِ:
فلقد تركتِ صغيرةً مرحومةً ... لم تدرِ ما جزعٌ عليكِ فتجزَعُ
فمعنَى (مرحومة): (مستحِقةٌ للرحمةِ).
الأصلُ الثاني: أن نخالفَ ابنَ فارسٍ ([7] ( http://www.ahlalloghah.com/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn7)) ؛ فندعيَ أنّ لمادّة (همّ) أصلينِ، أحدُهما يدلّ على ذوَبانٍ ونحوِه، والآخر يدلّ على قصدٍ وعزمٍ؛ فيكونُ المعنى الأوّلُ وحدَه محمولاً اشتقاقُه على ما ذكرنا من وّجوهِ الاشتقاقِ. ويكونُ المعنى الثاني محمولاً على الأصلِ الثاني لمادّة (همّ)، ويكونُ معناه (حملَه على القصدِ والعزمِ والتدبيرِ). ويكونُ قولُهم (همّ بهِ) مطاوِعًا في المعنى لا في البناءِ لهُ؛ كأنه (همّه، وأهمَّه؛ فهمّ بهِ)، وتكونُ الهمزةُ في المزيدِ للجعلِ، لا للإيقاعِ المباشرِ.
- الضربُ الثاني: عوارضُ الاشتقاقِ:
وهو خاصٌّ بالمعنى الثاني لـ (همّه)، و (أهمّه)، لقلةِ ما وردَ منهما؛ فلنا أن نحتجَّ لهما من طريقِ (الاستئثارِ اللفظيِّ)؛ وذلكَ أنَّ الهمَّ - كما هو مقتضَى الاشتقاقِ - هو ما أذابَ البدنَ كمَدًا وحزَنًا؛ فاستأثرَ بعضُ أفرادِ المدلولِ (أي: المعنى) على الدالِّ (أي: اللفظ)، لكونِه الأصلَ الاشتقاقيَّ؛ فسُمِّيَ كلُّ أمرٍ جسيمٍ يعتري المرءَ هامًّا، ومهِمًّا إلحاقًا له بالمعنى الأوَّلِ. وإنما ساغَ هذا لأن المعنيين يشترِكانِ في معنًى جامعٍ؛ وهو أنهما عارِضانِ جسيمانِ ذوا خطَرٍ، يعتريانِ نفسَ المرءِ، وأنَّ أحدَهما - وهو المعنى الأول - أصلٌ في الاشتقاقِ؛ فأدخلوا الثانيَ فيهِ، كما أدخلوا النساءَ في الرجالِ في قولِه تعالى: http://www.ahlalloghah.com/images/up/01204cbc20.gif يا أيها الذينَ آمنوا http://www.ahlalloghah.com/images/up/2654672cb0.gif ؛ إذ سوّغَ هذا فضلُ أحدِ الصنفينِ؛ وهو الرجالُ؛ وذلك من وجوهٍ كثيرةٍ، وأنَّهما يشتركانِ في معنًى جامعٍ؛ وهو البشريةُ.
وأمَّا المجازُ، فأن يكونَ المعنى الثاني لـ (هام)، و (مهم) مجازًا مُرسَلاً عن المعنى الأوّلِ، عَلاقتُه السَّببيةُ. وذلكَ أنَّ الهمَّ بمعنى (ما يَحزُنُ) ممَّا يُحدِثُ في نفسِ صاحبِهِ الاحتفالَ، والعنايةَ.
وبما مضَى يستبينُ أنَّ لكَ أن تقولَ: (همَّه يَهُمّه؛ فهو هامّ)، و (أهمّه يُهِمّه؛ فهو مُهِم) للدلالةِ على المعنيينِ اللذينِ ذكرنا.
الموضع الثالث:
يقولون: (كسِبَ يكسَب). وهو خطأ. الصواب: (كسَبَ يكسِب)؛ قالَ تعالى: http://www.ahlalloghah.com/images/up/01204cbc20.gif بلى من كسَبَ سيئةً http://www.ahlalloghah.com/images/up/2654672cb0.gif [ البقرة: 81]، وقالَ: http://www.ahlalloghah.com/images/up/01204cbc20.gif ومَن يكسِبْ إثمًا فإنما يكسِبُه على نفسِهِ http://www.ahlalloghah.com/images/up/2654672cb0.gif [ النساء: 111].
وعلةُ الخطأ - وإن كانتْ علةً قاصرةً - أنَّهم حملوا (كسَب يكسِبُ) على (خسِر يخسَر) حملَ العامِّ على الخاصِّ؛ إذِ الكسبُ أعمُّ من الخَسارةِ؛ ولكن بعد أن توهّموهما ضدَّينِ.
الموضع الرابع:
نصَّ مجمعُ اللغة العربيةِ بالقاهرةِ على هذا القَرار: (لا يجوزُ في ألقابِ المناصبِ والأعمالِ اسمًا كانَ أو صفةً أن يّوصفَ المؤنّثُ بالمذكرِ؛ فلا يقالُ: فلانة أستاذ، أو عضو، أو رئيس، أو مدير) ([8] ( http://www.ahlalloghah.com/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn8)) .
وهذا القَرارُ سُخفٌ، وتخليطٌ، ولعِبٌ. وهو يكشِف لكَ عما ينطوي عليهِ أمرُ هذا المجمعِ، وأنَّه أُسِّسَ على سَخَطٍ من العربيةِ وغضَبٍ!
والردُّ على ذلكَ أن نقولَ:
¥