الأولُ: أنَّا لو جعلنا فتحَ العينِ لغةً، لأفضَى بنا هذا إلى أن نُثبتَ أوزانًا لا تَثبتُ؛ فنجعلَ لاسمِ المفعولِ بناء (مَفْعول)، و (مَفَعول)؛ فقد حكَى ابنُ جني عن الشجريِّ أنه يقولُ: (أنا محَمومٌ). قالَ ابنُ جني: (وليس أحدٌ يدَّعي أن في الكلام " مفَعول " بفتح الفاءِ) ([21] ( http://www.ahlalloghah.com/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn20)) . ونظيرُ هذا نفيُ البصريينَ غيرَ الأخفشِ بناءَ (فُعْلَل). وأوّلوا ما وردَ من السماع على ذلكَ كـ (سُؤدَد)، و (جُخْدَب) بأنّه مخّففٌ عن (فُعْلُل) ([22] ( http://www.ahlalloghah.com/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn21)) ؛ والمخفَّفُ لا يَثبتُ بهِ الوزنُ.
الثاني: أنا لو جعلناه لغةً، لأفضَى بنا هذا أيضًا إلى أن نصحِّحَ ما يستحقّ الإعلالَ؛ نحوُ: (سارُوا نحَوَه)؛ إذِ من حقِّ الواوِ أن تقلبَ ألفًا، لتحركها وانفتاح ما قبلَها. فلولا أنَّها مخّففةٌ عن (نحْو) لوجبَ قلبُها. ألا ترى أن (دِيْوانًا) التقت فيه الواو، والياء، والأولُ منهما ساكنٌ، ثمَّ لم تقلب الواوُ ياءً، لكونِ الياءِ عارضةً؛ إذ أصلُها واوٌ (دِوَّان).
فإن قيلَ:
سلَّمنا أنَّ فتحَ العينِ في ذلكَ ليسَ لغةً؛ وإنما هو تخفيفٌ؛ فكيفَ حكمتَ بقياسِهِ؟
قلتُ:
إنَّ شرطَ القياسِ في غيرِ ما تطلبُه الحاجةُ المعنويةُ من الألفاظِ - كما أرى - اثنانِ:
الأولُ: أن تكونَ علتُه وجيهةً، تشهدُ لها النظائرُ، ويُقِرّ بها النظرُ.
الثاني: أن نجِدَ العربَ تعتدُّ بها، وتبني عليها الحكمَ في أفرادِ هذا الموضعِ كثيرًا.
وهذانِ الشرطانِ متحقِّقانِ في ما كانَ حلقيَّ العينِ على زنةِ (فَعْل)؛ فأمَّا الشرطُ الأولُ، فهو ثابتٌ فيهِ؛ إذ علتُه وجيهةٌ؛ وهي علةُ التأثّر الصوتيِّ، من قِبَل تأثّر الحركاتِ بالأصواتِ الصامتةِ ([23] ( http://www.ahlalloghah.com/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn22)) . وهي علةٌ فطريّةٌ؛ يقوِّي ذلكَ أنَّها باقيةٌ منذُ القديمِ إلى اليومِ في كلامِ النَّاسِ؛ فقد ذكرَ ابنُ جني أنه رأى كثيرًا من عُقيلٍ يُحركون من ذلك ما لا يتحركُ لولا حرفُ الحلقِ ([24] ( http://www.ahlalloghah.com/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn23)) . والذي يثبتُ رسوخَ مناسبةِ الفتحِ لحرفِ الحلقِ في كلامِهم أنَّهم وضعوا في مضارعِ الثلاثيِّ بناءً فرعيًّا خصُّوا بهِ حروفَ الحلقِ؛ هو بناءُ (يفْعَل)؛ فخرجوا بهِ عن أصلهِ لهذه العلةِ. ولا يزالُ أهلُ نجدٍ إلى اليومِ يراعُون ذلكَ؛ ألا ترى أنهم يقولون: (مَحْجوز)، و (اِمْحَجوز)، و (مَغْسول)، و (اِمْغَسُول)، و (مَعْزول)، و (امْعَزول)، و (مَهْجور)، و (امْهَجور)؛ فيفتحون حرفَ الحلقِ؛ فإذا قالوا مثلاً: (مَكْتوب) لم يفتحوا. [كما أنهم يقولون في (الوعْد، والفخْر، والنحْر، والمهْر): (الوعَد، والفخَر، والنحَر، والمهَر)؛ وربَّما بقُوا على السَّكونِ. فإذا قالوا: (البدْر، والعصْر، والفجْر، والصَّبْر) لم يفتحوا البتةَ] ([25] ( http://www.ahlalloghah.com/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn24)) .
أما الشرطُ الثاني، وهو كثرةُ اعتدادِ العربِ ببناءِ الحكمِ على هذه العلةِ في أفرادِ هذه المسألةِ بالنسبةِ إلى عُروضِها لهم، فهو بيِّنٌ؛ إذ لهذا أمثلةٌ كثيرةٌ؛ منها (جهْرة، وجهَرة)، و (نهْر، ونهَر)، و (وحْل، ووحَل)، و (شعْر، وشعَر)، و (بحْر، وبحَر)، و (بهْت، وبهَت)، و (صخْر، وصخَر)، و (نعْل، ونعَل)، و (لحْم، ولحَم). هذا غيرُ ما روى ابنُ جنّيْ عن عُقيلٍ.
فقد رأيتَ تحققَ شرطي القياسِ في هذه المسألةِ.
فإن قلتَ:
ولكنَّ المرويَّ عن العربِ مخصوصٌ باسمِ الذاتِ؛ و (نحْو) في أصلِه مصدرٌ.
قلتُ:
ليس هذا مسلَّمًا بهِ من جهةِ السماعِ، والقياسِ.
أما السّماعُ، فقد نصَّ ابنُ جنيْ على السَّماعِ في (نحْو)؛ قالَ: (وسمعتُ بعضَهم وهو يقولُ في كلامِه: " ساروا نحَوَه " بفتح الحاءِ) ([26] ( http://www.ahlalloghah.com/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn25)) .
وأما القياسُ، فمن وجهينِ:
¥