تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد اضطرت جورجيا الى الرضوخ (3). ففي 9 تشرين الأول/اكتوبر عام 1993، وافق الرئيس شيفاردنادزه على الانضمام الى رابطة الدول المستقلة بدون استشارة البرلمان، وبعد ان تشبث طويلاً بالرفض، وذلك بغية الحصول على الدعم العسكري من روسيا. وقد شكل هذا انتصاراً بالنسبة الى روسيا، فجورجيا المشاكسة انصاعت مجدداً وأخمدت لفترة ما حماستها للتقرب من الغرب والبقاء على مسافة من موسكو.

وهكذا خدمت القضية الابخازية الرغبة الروسية في إبقاء "قريبها الأجنبي" تحت قبضتها. فحتى "وإن لم يكن هناك استراتيجيا روسية فعلية في القوقاز" كما تلاحظ سيلفيا سيررانو من "مركز مراقبة دول ما بعد الاتحاد السوفياتي في المؤسسة الوطنية للغات والحضارات الشرقية" إينالكو Inalco، إلا ان المصالح المتداخلة المنطقية أحياناً، والتوهمية احياناً أخرى، والعائدة الى الوضع الجيوسياسي والأسباب الواهية على حدٍ سواء، قد تضافرت لإبقاء المنطقة تحت الوصاية.

وقد ارادت موسكو، من مدها يد العون بقوة الى الانفصاليين الأبخاز، أن توفر لنفسها وسيلة للضغط على جورجيا، "مفتاح" منطقة القوقاز. فبالنسبة الى بعض السياسيين والعسكريين الروس يعتبر هذا الممر ذا فائدة "حيوية" لأمن البلاد، وشريطاً عازلاً في وجه تركيا وإيران، وباباً مفتوحاً على البحر الأسود.

وقد برهنت روسيا لمرات عديدة منذ ان خضعت ابخازيا لوصايتها في العام 1810 على عدم اهتمامها كثيراً بوضع هذا الشعب الصغير، وهذا ما لم يمكن تناسيه في أبخازيا. لكن الحاجة الى الحماية في وجه جورجيا "التي باتت الحياة معها مستحيلة" بحسب الرأي العام الشامل لغالبية الشعب الأبخازي الذي أذته هذه الحرب، اضطرت الجمهورية التي أعلنت استقلالها من جانب واحد الى الالتفات ناحية روسيا. فوحدها القوات الروسية كانت كفيلة ضمان الأمن العسكري للجمهورية كما تبين في معارك أيار/مايو عام 1998 ومعارك أيلول/سبتمبر وتشرين الأول/أكتوبر عام 2001.

والآن باتت روسيا توطد نفوذها في ابخازيا. فبتشجيع من أرفع المناصب في السلطة السياسية تضاعفت فيها الاستثمارات الروسية، من إنشاء شبكة للهواتف الخيلوية الى شراء البنى التحتية السياحية او استئجارها على مدى طويل، الى زراعة 000 10 هكتار من شجر الكاكاو على يد مصنع كبير للشوكولا ... وفي ربيع العام 2002 نظمت حملة لمنح جوازات سفر روسية الى الابخازيين الذين لا يحملون اوراقاً ثبوتية رسمية، وهي إحدى وسائل ربط مصير الشعب الأبخازي بمصير الشعب الروسي بشكل اوثق. وفي كانون الأول/ديسمبر عام 2002 أعيد فتح خط السكك الحديد بين سوتشي وسوخومي على الرغم من الاعتراضات القوية من تبيليسي.

وهذا ما يوضح كم أن روسيا أصبحت مفتاحاً ضرورياً لأي تسوية محتملة للنزاع. وهذا ما يوضحه سيريل كلواغان، المراقب العسكري السابق للأمم المتحدة في ابخازيا قائلاً إن "مفتاح النزاع هو بما لا يقبل الجدل في موسكو. فيوم يقرر الكرملين التسوية ستنجز في غضون أسابيع بالرغم من أشكال المقاومة الشرسة التي يبديها الأبخاز."

وفي كل الأحوال لا يمكن إساءة تقدير الواقع بين مجتمعين متخاصمين اتخذا وجهة التطرف خلال السنوات العشر الماضية. فعلى ضفتي نهر انغوري تتغذى الأفكار المقولبة الجاهزة. ففي نظر الأبخاز لا تزال جورجيا دولة معتدية، فيما ينكر المجتمع الجورجي كلياً من جهته مطالب الأبخاز الكيانية وبالنتيجة وجود قضية أبخازية جورجية بالمعنى الدقيق للكلمة، فالكلام السائد في تبيليسي يدور حول "خسارة" أراض وضرورة "العودة".

وبحسب ما يشدد باتا زاكاريشفيلي، الفيلسوف الجورجي والفاعلية الرئيسية في الحوار غير الرسمي المعقود بين ممثلي المجتمعين المدنيين الجورجي والأفخازي، "يجب علينا الاقرار بأن النزاع مع ابخازيا ليس محصوراً بحرب العامين 1992 ــ 1993 بل أن له جذوراً أكثر عمقاً بكثير. ولن يكون في الإمكان تحقيق أي حل إذا تمنعنا عن تفهم تطلعات الأبخاز والاقرار بمسؤوليتنا في انفجار هذه الحرب."

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير