والتاريخ يضغط بعبئه. فقد بقي الأبخاز في وضع الأقلية المهددة كما كانوا عليه في العهد السوفياتي. فدمج جمهوريتهم بجورجيا في العام 1931 وما لحق به من حظر اللغة الأبخازية وقمع ثقافي وإنزال السكان الجورجيين والروس بكثافة في أراضيها لا يزال ماثلاً في الأذهان على أنه عصر فرض "الجورجية". وحتى وإن تكن الستالينية لم تقصر في إعادة التوازن الى الوضع الا ان الأبخاز لم يكفوا عن التعبير عن خشيتهم من أن تنكر هويتهم.
وفي المقابل لا يزال دارجاً التعريف بالأبخاز على أنهم "ضيوف" في جورجيا، أي أنهم ذاك الشعب الجبلي الذي نزل من شمال القوقاز منذ قرون لكي يستثمر ضفاف البحر الأسود. فمن كان هناك اولاً؟ ان العودة الى التاريخ تحمل على تجنب طرح السؤال الحقيقي حول تشكل الدول المستقرة وعلى رفض تسوية حقيقية.
ولا احد يعرف ما سيكون مصير أبخازيا التي تشكل إحدى وسائل الضغط من روسيا على جورجيا المستقلة. فهذا ما يمكن استشفافه من استئناف الشركات الروسية توزيع الطاقة في جورجيا هذا الصيف وخصوصاً من خلال اتفاق الغاز الموقع في 21 تموز/يوليو لمدة 25 سنة تصبح تبيليسي في نهايها مرتبطة مئة في المئة بموسكو (4). لكن وإن خلف السيد شيفاردنادزه في العام 2005 رئيس مقرب من روسيا فان هذا لن يغير شيئاً في طبيعة النزاع. فسيلفيا سيرّانو تشير الى أنه "قد لا تتم تسويته قبل زمن طويل لأن موسكو تحديداً ستكون عاجزة عن ذلك (أو غير راغبة فيه)."
إلا أن هذه الوضع يلائم الأبخازيين، فما بين المطرقة الروسية والسندان الجورجي تفضل سوخومي الاستقلال. وفي العام 2004 لن يكون في إمكان خليفة الرئيس فلاديسلاف أردزينبا، المريض، أن يتقدم بطرح آخر.
ولا ننسينّ أن بنى الدولة في المنطقة تبقى ضعيفة، كما لا يمكن التقليل من أهمية القبائل ولا من شأن الشبكات النافذة الموروثة من الاتحاد السوفياتي السابق. كما أن المصالح المافيوزية تشكل معوقات كبيرة في طريق إيجاد حل للنزاع. فخط الفصل بعد وقف إطلاق النار على نهر إنغوري يشكل منطقة اللاقانون بالنسبة الى المهربين الأبخاز والجورجيين الذين ينشطون بكل حرية وبالتفاهم الجيد في ما بينهم، من تجارة السيارات المسروقة الى تجارة البنزين والسجائر ...
وفي ظل هذه الظروف ماذا يمكن لبعثة المراقبة العسكرية التابعة للأمم المتحدة (مونوغ) Monug ان تفعل؟ وكذلك مجموعة أصدقاء الأمين العام للأمم المتحدة (5)؟ ترى السيدة هايدي تاغليافاني، ممثلة المجموعة المذكورة أنه "إذا كان من الصحيح أنه بعد عشر سنوات على انتهاء النزاع المسلح لم تتم تسوية القضية الأبخازية، الا أن الوضع الآن مستقر وإن يكن مهتزاً، وهذا بفضل دور بعثة الأمم المتحدة."
واستناداً الى وثيقة "بودن" التي تقترح توزيع الامتيازات بين أبخازيا وجورجيا على أساس اتحاد فيديرالي، لا يزال المجتمع الدولي متمسكاً بوحدة الأراضي الجورجية، إلا أن هذا خيار ترفضه سوخومي. وتشدد السيدة تاغليافيني قائلة: "إن الأهم هو الشروع في التفاوض وما هذه الوثيقة سوى نقطة انطلاق."
في 6 و7 آذار/مارس عام 2003، اجتمع الرئيسان فلاديمير بوتين وشيفاردنادزه في سوتشي للبحث في القضية الأبخازية. وقد وقعا اتفاقاً ينص على عودة اللاجئين الجورجيين الى منطقة غالي وإعادة فتح خط سكك حديد سوتشي ـ تبيليسي عبر سوخومي وتحديث المحطة المائية لتوليد الكهرباء على نهر إنغوري. فهذا الاتفاق، الذي صوِّر على أنه خطوة الى الأمام، اكتفى بتكريس الأمر الواقع وخصوصاً في ما يتعلق بلاجئي غالي. وفي الحقيقة أن اتفاق سوتشي يؤكد بشكل أساسي الدور الذي لعبته موسكو على حساب الأمم المتحدة، وعلى الأرجح على حساب تسوية شاملة وسياسية للنزاع.
* هما على التوالي موثّق ومخرج فيلم "سوخومي، الشاطئ الأسود"، Soukhoumi, rive noire حول التاريخ المعاصر لأبخازيا، وصحافي مقيم في تبيليسي.
[1] بنتيجة الاحصاء الذي أجري في العام 1989 قدِّر عدد السكان بـ000 525 نسمة 46 في المئة منهم جورجيون و18 في المئة أبخاز و15 في المئة أرمن و15 في المئة روس و3 في المئة يونان.
[2] راجع:
L'Empire et Babel: les minorités dans la perestroïka, Face aux drapeaux, est-ce le titre exact? Gallimard-Seuil, Paris, 1989
[3] اقرأ:
Philip S. Golub, "Métamorphoses d'une politique impériale", Le Monde diplomatique, mars 2003.
[4] يضاف الى ذلك في 6 آب/أغسطس أن الشركة الروسية Unified Energy System (UES) اشترت حصص شركة AES Telasi الشركة الأميركية التي تملك 75 في المئة من أسهم الشركة، التي تتولى توزيع الكهرباء في العاصمة الجورجية.
[5] مؤلفة من فرنسا وروسيا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة.
www.mondiploar.com
جميع الحقوق محفوظة 2003© , العالم الدبلوماسي و مفهوم
http://www.mondiploar.com/oct03/articles/gente.htm
¥