تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومما يلفت النظر قلة ما كان يصرفه العثمانيون لشيوخ القبائل البدوية. وبقيت مشكلة تأمين القافلة قائمة لدى الحكومة العثمانية، خاصة عند اقترابها من الديار المقدسة؛ فقد ذكر الرحالة الروسي عبدالعزيز دولتشين، أثناء رحلته إلى مكة في عام 1898م (1315هـ)، أن بعض البدو هاجموا الحجاج؛ لأنهم رفضوا إعطاء هؤلاء البدو بعض الأموال، في الوقت الذي كانت لديهم بضائع مغرية للبدو، خاصة أن الحجاج كانت لديهم "زنانير ضخمة جداً" يحفظون بها أموالهم الخاصة، لينفقوها أثناء موسم الحج، كانت تجذب أنظار البدو إليهم. وكان مكمن الخطر في المنطقة الواقعة ما بين المدينة المنورة وينبع، حيث أشار دولتشين أن قبيلة حرب أغلقت طريق "ينبع - المدينة" لمدة ثمانية أشهر في عام 1897م (1314هـ)، مما أدى إلى ارتفاع أسعار بعض السلع الضرورية، مثل: الشاي، والسكر، والطحين، وغيرها في الديار المقدسة (46). وكانت الدولة العثمانية تدرك خطورة قبيلة حرب؛ لذلك خصصت قوة في عام 1898م (1315هـ)، رافقت القافلة مكونة من (550) شخصا من الخيالة، من بينهم (150) شخصا على الهجن، و (200) من الضبطية الخيالة؛ بالإضافة إلى مدفعين جبليين (47).

وكان هدف هذه القوة التصدي لأي اعتداء تقوم به قبيلة حرب ضد القافلة، خاصة بعد إغلاقها لطريق "ينبع - المدينة" في العام السابق. ولم يقتصر الخطر على القبائل الحجازية، بل إن بعض القبائل الشامية ظلت تشكل ضغطاً في حالات كثيرة على العثمانيين؛ ففي عام 1898م (1315هـ) عمدت قبيلة الحويطات في جنوب منطقة شرقي الأردن إلى العصيان ضد العثمانيين، حيث أعلنت نيتها الانضمام إلى مصر بدلاً من الدولة العثمانية؛ بسبب امتناع الأخيرة عن دفع المرتبات التي كانت تدفعها إلى شيوخ الحويطات، في الوقت الذي قلّ مردود قافلة الحج الشامي على القبائل البدوية في المنطقة، بعد فتح قناة السويس عام 1869م (1286هـ)، حيث تحول كثير من الحجاج إلى مصر، وأصبحوا يحجون بحراً. لقد أجبر موقف الحويطات السابق الحكومة العثمانية على إعادة دفع مرتبات شيوخ الحويطات من جديد، يضاف إليهم شيوخ قبائل بئر السبع (48).

ورغم ما تقدم، يتبيّن لنا من الجدول الآتي أن عدد مرات اعتداءات العشائر البدوية ضد القافلة قد تراجع في القرن التاسع عشر قياساً بالقرون السابقة (49)، حيث لم يتجاوز عددهن خمسة اعتداءات، اثنان منها وقعا في منطقة شرقي الأردن، وآخران في منطقة الحجاز، بينما هناك اعتداء مكانه مجهول. ولم تكن هذه الاعتداءات مؤثرة على الحجاج، كما حدث في اعتداءات سابقة، بل كانت اعتداءات بسيطة، انتهت دون حدوث أية نتائج سلبية. وهذا يعود إلى أن العثمانيين استطاعوا إحكام سيطرتهم - إلى حد ما - على طريق القافلة، كما توثقت علاقتهم بالقبائل البدوية، وبالذات القوية منها. موقف القبائل البدوية من مشروع الخط الحديدي الحجازي: لقد تراخت قبضة الدولة العثمانية على منطقة شرقي الأردن في بداية القرن العشرين، رغم استحداثها للواء الكرك عام 1893م (1310هـ)، حتى بلغ الأمر أن اضطرت إلى دفع الهبات النقدية للقبائل البدوية؛ كي تتكفل بحماية القافلة، عند مرورها بالمنطقة، التي كانت تقطن بها بعض القبائل (50).

استمرت الدولة العثمانية في دفع مرتبات سنوية للقبائل البدوية وبالذات لقبيلة الحويطات مقابل حماية القافلة، حيث كان الشيخ كليب بن قبلان يتقاضى سنوياً مبلغاً وقدره "108" قروش ونصف أردب شعير (51). وهذا الأمر ينطبق على بني عطية؛ إذ كان بعض شيوخهم يتقاضى أيضاً مرتبات سنوية من الدولة للغاية نفسها، فالشيخ سالم بن علي بن رشيد كان يتقاضى "أردب الشعير في جردة (52) الحج السنية من الإحسانات السامية في كل سنة" (53)، حتى تنازل عن هذا الامتياز إلى الشيخ خليل أفندي الشراري مقابل "20" مجيدياً في نهاية عام 1904م (1322هـ) (54). ولكن الدولة العثمانية عادت إلى استخدام القوة من جديد ضد القبائل البدوية التي كانت تسبب لها إزعاجات؛ ففي عام 1904م (1322هـ) طلب والي المدينة المنورة أحمد راتب باشا (3000) رجل من دمشق، حتى يخضع القبائل البدوية الموجودة بين ينبع والمدينة المنورة، وخاصة قبيلة حرب (55).

وظهر تطور جديد لدى العثمانين في بداية القرن العشرين، وهو مد خط حديدي يربط دمشق بالمدينة المنورة، أصبح يسمى بالخط الحديدي الحجازي (56)، كان وراء إنشائه دوافع عدة، أبرزها (57):

أولاً: أن رحلة قافلة الحج كانت تستغرق ما يقارب من الثلاثة شهور ذهاباً وإياباً، وما يرافقها من متاعب ومشاق عبر الصحراء.

ثانياً: خطر القبائل البدوية شبه الدائم على القافلة، وضعف العثمانيين، وعدم امتلاكهم وسائل حديثة، كالقطارات والسيارات وأجهزة اللاسلكي لنقل الحجاج والتحكم بطريق الحج.

ثالثاً: توفير أسباب الراحة للحجاج، وتسهيل سفرهم إلى الأماكن المقدسة وعودتهم سالمين إلى بلادهم.

رابعاً: إلى جانب الغرض الديني، كان هناك هدف عسكري تمثل في إزالة الانطباع عن الدولة العثمانية وظهورها بمظهر العاجز أمام الدول الأجنبية، وخاصة تلك الدول التي تحكم شعوباً إسلامية، وأمام الثورات التي تقوم بها الشعوب المحكومة، وخاصة اليمن.

خامساً: إيجاد طريق بديل لقناة السويس التي سيطرت عليها بريطانيا عام 1882م (1300هـ)، فكانت فكرة إنشاء الخط الحديدي الحجازي هي البديل عن القناة (58).

لقد عارضت القبائل البدوية مد الخط الحديدي الحجازي وقاومته، وشنت غارات عنيفة ضده؛ لأن مد الخط كان يلحق خسائر مادية كبيرة بالبدو، حيث كانوا يؤجرون في كل سنة آلاف الجمال للدولة، لنقل الحجاج، ويقبضون مقابل ذلك مبالغ كبيرة من الأموال (59)؛ وكان أوسع تجمع قبلي عارض مد الخط الحديدي في الحجاز وذلك في بداية عام 1907م (1325هـ)، مؤلف من أبرز قبيلتين هناك هما: حرب وعطية (60).

وفي عام 1908م (1326هـ) هاجم البدو الخط في المدينة، حيث كان هذا الهجوم نابعاً من خوفهم لفقدان ذلك المردود الاقتصادي المهم؛ بالإضافة إلى إدراك البدو بأن الخط سيمنح الدولة العثمانية وسيلة آلية ضخمة وسريعة، لحشد الجنود ضدهم في مناطق كانت الدولة في السابق، تتحاشى دفع جنودها إليها (61).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير