تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أرض جهينة؛ غير أن الطبريَّ لم يشأ أن يذكر لنا شيئاً عن طبيعة هذا الاتصال (41).

وفي السنة الثانية للهجرة توجه صلى اللّه عليه وسلّم إلى بُواط أحد جبال جهينة بناحية رَضْوَى، يُريد قريشاً، (ورجع ولم يلق كيداً) (42) الأمر الذي يُستنتج منه أن الصِّلات بينه صلّى اللّه عليه وسلّم وبين الجُهَنِيِّين - إن لم تكن صلاتُ وُدٍّ ووئامٍ - صلاتُ أمْنٍ وسلام.

وفي غزوة بدر الكبرى التي تمثل انطلاقة الإسلام نحو السيادة والتمكين؛ شارك أفراد من جهينة في خوض غمارها؛ من هؤلاء الأفراد: عَدِيٌّ بنُ أَبي الزَّغْبَاءِ الْجُهَنِيُّ (43). ويتحدث البكريُّ عن بعض الصحابة من جهينة الذين كانوا يسكنون قُرَى تجاور المدينة غير بَعيد فيقول: (وذو المروة من أعمال المدينة، قُرى واسعة وهي لجهينة؛ كان بها سَبْرَةُ بن مَعْبَدٍ الْجُهَنِيُّ صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وولده إلى اليوم فيها، بينها وبين المدينة ثمانية بُرُد) (44). وقد مَرَّ ذكر (ذي المروة) هذا في قائمة البكريّ وغيرها (45).

على أن أثر جهينة الفعَّال في تثبيت دعائم الإسلام ودولته في المدينة المنورة يتجلَّى أكثر ما يتجَلَّى في فتح مكة المكرمة عندما اشتركتْ، بفعالية، في زحف الجيش الإسلامي الذي فتحها في السنة الثامنة للهجرة المباركة، وقد شهد أبو سفيان بن حرب - الذي حبسه العباس بن عبد المطلب رضي اللّه عنه بأمر النبيِّ صلّى اللّه عليه وسلّم عند خَطَمِ جَبَل، ليَرى جُنْدَ اللّه الزاحف - شهد أبو سفيان هذا جُمُوعَهَا تزحف على مكة مع جند المسلمين في جيشها الذي بلغ عددُ أفراده ألفاً وأربع مئة مقاتل؛ في حين كان جيش بَنِي غِفَار أربع مئة لا يزيدون. وكان يَقُوْدُ جهينة آنئذ ـ فيما يقود ـ سيف اللّه المسلول خالد بن الوليد، وقد دخل بها من (اللِّيط) أسفل مكة (46). ولا شكَّ أن هذه الكثرة النسبية التي ظهرت بها جهينة في جيش الفتح تدل على ضخامة هذه القبيلة وكثرة بطونها وأفخاذها.

امتد تأثير جهينة السِّياسيُّ على مدار التاريخ الإسلامي؛ وفي كل بلد هاجرت إليه؛ فشاركتْ في نشر مبادئ الإسلام في مكة والمدينة كما رأينا؛ وشاركتْ في زحف الجيوش الإسلامية على الشام؛ والعراق؛ ومصر؛ والسودان - كما سنرى -؛ وناصرت الثوراتِ؛ وانغمست في الفتن والصراعات التي اندلعت على عهد الأمويِّين والعبَاسيين.

وأبرزُ مثل يُساق للتدليل على وزن جُهينة في أحداث التاريخ على عهد العباسيين: دَوْرُها الواضح في ثورات العلويين في الحجاز؛ لا سيما ثورة محمد بن عبد اللّه بن الحسن، المشهور بالنفس الزكية؛ ضد الخليفة العباسيّ أبي جعفر المنصور الذي حكم ابتداءً من سنة 136هـ. حدّث الطبَريُّ بسنَده بما فحواه: بعث أبو جعفر المنصور سنة 144هـ. رجلاً إلى المدينة المنورة، فدخل على عبد اللّه بن الحسن، وسأله عن ابنه محمد، فأجابه: إنه في جبل جُهَينة (47). فهذا - مع سير الأحداث اللاحقة - يدل على أن جهينة قد انضمت إلى هذا التأثر العلويّ منذ وقت مبكّر، ولهذا نراه يطمئنُّ إليها، فيقيم بين ظهرانيها، ملتمساً الحماية عندها وفي جبالها. وأكبر الظن أن هذا الصنيع أثار غضب المنصور، وأحفظه على جُهينة، يدلّ على ذلك أن المنصور ما كاد يُنهي حجّه هذا العام حتى بادرفأمر واليه على المدينة رياح بن عثمان بن حيَّان المُرِيَّ بالقبض على عبد اللّه بن الحسن، وابنيْه: محمد وإبراهيم، وإخوته وجميع أشياعه ومنهم جهينة، ويُوثق الجميع كتافاً، ثم يبعث بهم إليه في الرَّبَذَةِ، يقول الطبري: (قال محمد بن عمر: أنا رأيت عبد اللّه بن الحسن وأهل بيته يخرجون من دار مروان بعد العصر وهم في الحديد ... قال محمد بن عمر، قال عبد الرحمن بن أبي الموالي: وأخذ معهم نحواً من أربع مئة من جُهينة ومُزَينة وغيرهم من القبائل، فأراهم بالربذة مُكَتَّفِيْنَ في الشمس) (48).

على أن الثورة العلوية لم تَنْتَهِ عند هذا الحَدّ ـ كما هو مبسوط في مَظَانِّهِ ـ وإنما أخذتْ تتعاظم أحداثها حتى انتهت إلى صِدَام مسلَّح بين العباسيين وبني عمومتهم العلويين، كما أن تأييد جُهينة لم ينته عند المشايعة والمناصرة باللسان، فما كادت تندلع الحرب بين الفريقين حتى رأَيْنَا جُهَيْنَة في طليعتها. يقول الإمام الطبريُّ (وحدثني محمد بن إسماعيل بن جعفر عن الثقة عنده، قال: أجاب محمداً لما ظهر أهلُ المدينة وأعراضها وقبائل من العرب منهم جهينة ومزينة ... فكان يُقدم جُهَيْنَة؛ فغضبت من ذلك قبائل قَيْس) (49).

للموضوع صلة ..

ـ[عيسى بنتفريت]ــــــــ[09 - 10 - 10, 12:46 م]ـ

جزاك الله أخي على الإفادة ومجهودك العظيم

جعله الله في ميزان حسناتك إن شاء الله

ـ[ماهر المديني]ــــــــ[09 - 10 - 10, 04:05 م]ـ

أنعم وأكرم بقبيلة جهينة مشكور أخي مصعب الجهني على هالمعلومات القيمة قبيلة عريقة معروفة النسب الطيب و الافعال العظيمة إلى زمننا هذا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير