تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الإسلام ثم يعطفون على ذلك: طرد الاستعمار والحصول على الاستقلال والحرية "وهذا حتى مع الطلبة الجامعيين وكار المثقفين من ذوي الثقافة الغربية الذين قاطعوا الجامعات والمؤسسات والإدارات الاستعمارية" ([4]).

إن هذه الحرب كان حقا حربا عقائدية بين المسلمين والنصارى، وليس فقط بين الجزائريين والفرنسيين، وهذه الحقيقة كما وعاها المثقفون قد عاشها غيرهم من عامة الجزائريين وانطبعت بها نفوسهم وجرت بها ألسنتهم، وكم تعجبني كلمات كثير من كبار السن من الأميين عندما يعبرون عن الفرنسيين ومدة وجودهم فيقولون بالعامية:"النصارى" و"دولة النصارى"، لأنها تعبير بلغة شرعية عن حقيقة تاريخية يريد من رضع لبن فرنسا محوها وطمسها.

الجهاد حقيقة لا يرفضها إلا شيوعي أو علماني

وإنه لا يخفى تسلل العناصر الشيوعية والعلمانية في دواليب قيادات الثورة قبل الاستقلال وتحكمهم في زمام الأمور بعدها، لذلك تجد كثير منهم يزعجه أن يسمى قتاله للفرنسيين جهادا والمقاتلين مجاهدين، بل يصر على كلمة ثورة وثوار ومحاربين، ويبدل كلمة شهيد بشهيد الوطن لأن الشهيد هو من قتل لتكون كلمة الله هي العليا، ويكون شرع الله تعالى هو المهمين.

ويؤكد هذا المعنى أعني رفض هذه المصطلحات ذات الدلالات الإسلامية المؤرخ محمد العربي الزبيري بقوله:"ولقد أثبت التاريخ منذ اللحظات الأولى التي وقع فيها العدوان الفرنسي على الجزائر أن الإسلام وحده هو القادر على تجنيد الطاقات الشعبية في وجه القوات الاستعمارية. وعلى الرغم من تنكر بعض قادة الثورة للدور الأساسي الذي أداه الإسلام في جعل الجزائريات والجزائريين يستجيبون لنداء نوفمبر ويتفاعلون مع مخططات جبهة التحرير الوطني طيلة كل الفترة التي استغرقها الكفاح المسلح، فإن الحقيقة التاريخية تدل بما لا يدع أي مجال للشك، على أن الإسلام ظل دائماً هو القلب النابض للثورة، وأن مفاهيمه ومصطلحاته هي التي دفعت المواطنات والمواطنين إلى التضحية القصوى. لأجل ذلك فإن من الخطأ الفادح أن يقدم منظرون يجهلون واقع الشعب الجزائري وتاريخه ولا يعرفون من الإسلام سوى الاسم للثورة التي عرفت كيف تعيد للجهاد وظيفته" ([5]).

ويقص أحد المجاهدين في الجنوب الغربي للجزائر في الصحراء أنه جاءهم مراقب يتفقد عناصر الجيش الذين كانوا تحت مسؤليته فقال له ما هو الشعار الذي يتعلمه المجاهدون معك؟ فقلت له: إن هؤلاء المجاهدين يعتقدون ويرددون بأنهم التحفوا بالثورة باسم الجهاد في سبيل الله فقال المراقب: بل علمهم أنهم يجاهدون في سبيل الوطن، فلما سمع المجاهدون بهذا الخبر فما كان منهم إلا أن رموا بنادقهم وقالوا بصوت واحد:" إما أن نقاتل العدو باسم الجهاد في سبيل الله وإما رجعنا من حيث أتينا" ([6]).

وقد حكى لي المجاهد أحمد قادري رحمه الله –مسؤول الأوقاف في الولاية الثالثة-مشادة كلامية دونها جرت بينه وبين أحد ضباط الجيش آنذاك حول كلمة الجهاد التي رفضها رفضا قاطعا بناء على توجهه الفكري المنحرف، ومما هو مأثور أن العقيد عميروش ثار على أحد الأطباء في الجبل لما كتب عبارة "محاربي جيش التحرير الوطني" بدل "مجاهدي جيش التحرير الوطني" واعتقد أنه شيوعي وهو إنما كتبها من غير قصد ولكن عميروش لم يسمح بمثل هذا الخطأ اللفظي الذي له مدلوله، ([7]). ولكن هؤلاء كانوا أقل من القليل في صفوف حاملي السلاح ضد المستعمرين، ولا نسبة لهم تعد في الشعب الجزائري، وبحكم كونهم من المثقفين فقد كانوا يناضلون في الجانب الإعلامي والسياسي، ولذلك كان لهم الأثر البارز في تحريف المسار وفي وضع المبادئ والأفكار التي لا يؤمن بها الشعب الجزائري المسلم، فوضعوا بصماتهم في وثيقة مؤتمر الصومام وفي جميع وثائق الثورة بعد ذلك ([8]).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير