وبعد وفاة علم الأمة وشيخ شيوخ علماء هذه البلاد سماحة الشيخ ابن باز، دعا رجل الأعمال الفاضل الشيخ سليمان الراجحيّ لفيفاً من العلماء والمشايخ وطلاب العلم والوجهاء، ومن هؤلاء العلماء: الشيخ عبدالرحمن الفريان رحمه الله والشيخ عبدالله الجبرين، والشيخ عبدالرحمن البراك وغيرهم وتدارس المشايخ أثر هذا الحادث الجلل، وماسيتركه من فراغ كبير، وتكلم عدد من المشايخ، ثم طلب بعض الحاضرين من الشيخ أن يتكلم، فألقى كلمة مؤثّرة نالت إعجاب العلماء واقترح عدد منهم أن تسجّل وتوزع، فكان ذلك.
وكما أثنى عليه من عرفه من علماء هذه البلاد، أثنى عليه الجم الغفير في العالم الإسلاميّ.
وسأذكر شيئاً يسيراً من هذا الثناء الذي سمعته ووقفت عليه:
من ذلك ثناء شيخه العلامة الشيخ ((محمد سالم بن عدّود)) وهو أعرف الناس به، سمعته قبل عام ونصف يقول: ((إنني محتاج إلى علمه)) وحين تعرض الشيخ محمد سالم لمرضه الشديد الذي مضت الإشارة إليه،نظم أبياتاً أوصى أبناءه وتلاميذه بعدةّ وصايا، ومنها أنه وصاهم بأخذ العلم عن الشيخ محمد الحسن، وأن يقتدوا به هدياً وسمتاً، حيث قال:
وَمُحَمَّدُ الْحَسَنُ انْهَلُوا مِنْ عِلْمِه ... وَتَرَسَّمُوا مِن هَدَيِهِ مَااسْطَعْتُم
وفي هذا إشارة إلى استخلافه له في حمل راية العلم.
وقال عنه أحد أشهر شعراء موريتانيا ((التقيّ بن الشيخ)) في مقطوعة بعنوان ((نحن أولى به)):
سَعِدَ النَّاسُ بِهَذَا الْقُطْرِ لَوْ ... وَجَدُوا مِثْلَ الإِمَامِ ابْنِ الدَّدَوْ
مَن سَمَا مَن قَدْ سَمَوْا فِي أَدَبٍ ... وَوَقَارٍ، وَشَأَى مَن قَدْ شَأَوْأ
يَاَلهُ مِن كَوْكَبٍ يَفْرِي الدُّجَى ... قَمَراً مِن دَوْلَةٍ يَسَعى لِدَوْ
يُعْلِنُ الْحَرْبَ عَلَى مَن بَدَّلُوا ... وَأَتَوْا مِن بِدَعٍ مَاقَدْ أَتَوْا
وَسَعَوْا فِي نَقْضِ مَا أَبْرَمَهُ ... هَدْيُ طَهَ بِئْسَ مَافِيهِ سَعَوْا
غَيْرَ أَنَّ الْقَرْمَ لا يَتْرُكُهُمْ ... لَيْسَ يَصْفُو لَهُمُ مَاعَاشَ جَوّْ
كُلَّمَا قَابلَهُمْ فِي مَوْطِنٍ ... لَوَّوُا الأَعْنَاقَ عَجْزاً وَانثَنَوْا
فَغَدَا لِلدِّينِ يُحْيِي عَهْدَهُ ... سَادِلاً مِنْ هَدْيِهِ مَاقَدْ طَوَوْا
مَنْهَلٌ سِيقَ لإِخْوَانٍ لَنَا ... فِي بِقَاعِ الأَرْضِ غَمْرٌ فَارْتَوَوْا
وَسَقَوْا واسْتَمْسَكُوا مِن دِينِهمْ ... بِقَوِيمٍ مَن بِهِ لاذُوا نَجَوْا
يَا أَمِيرَ السَّفرِ هَلْ مِن ... لَفْتَةٍ لأُنَاسٍ لَكَ بِالْقُرْبَى اعْتَزَوْا
زَاحمَتْهُمْ فِيكَ أَقْوَامٌ، وَهُمْ ... بِكَ أَوْلَى مِن سِوَاهُمْ لَوْ دَرَوْ
والأبيات تتضمن عتباً على الشيخ؛ لأنه غاب عن بلدهم كثيراً، فلايرونه إلا لماماً.
والعجيب أن هذا الديوان ((لافتات شنقيطية)) أهداه إليّ الشيخ نفسه، وقرأ عليّ طائفة من القصائد التي أُعجب بها لصاحب الديوان، ولم يذكر هذه القصيدة لأنها في مدحه، وماعرفت ذلك إلا بعد عدة أشهر حين استعرضت قصائد الديوان.
وللشيخ الدكتور عائض بن عبدالله القرنيّ وفقه الله مقطوعة، حيَّا بها الشيخ، وأشار إلى بعض مناقبه، وعنوانها ((تحية وإجلال)) وقد رأيتها مع الشيخ ضمن أوراق له، وطلبت منه أن أقرأها وأخذتها ولم أعدها إليه، ولم يكن حريصاً عليها، وكان نظمها بتاريخ 1421/ 7/29)
وَمحَمَّدُ الْحَسَنُ الْمُورِيتَانِي فِي ... جَمْعِ الْفُنونِ وَدِقَّةِ الإِتْقَانِ
وَلَهُ جَزَاهُ اللَّهُ خَيراً هِمَّةٌ ... تَرْ بُو عَلَى الْمِرِّيخَ أَو كِيوَانِ
فَإِذَا تَرَبَّعَ لِلْحَدِيثِ حَسِبْتَهُ ... حَمَّادَ يَرْوي النَّقْلَ عَنْ سُفْيَانِ
وَإِذا أَردتَ النَّحْوَ فَالزَّجَّاجُ فِي ... حُسْنِ الْكَلامِ وَروْعَةِ التَّبْيَانِ
وَلَهُ التَّدَفُّقُ فِي الْبلاغَةِ مُحْسِناً ... مَاكَانَ بِالْوَانِي وَلا الْمُتَوَانِي
وَالْحِفْظُ سُبْحَانَ الَّذِي أَعْطَاهُ مِنْ ... فَيْضِ النُّصُوصِ وَقُوَّةُ الْبُرْهَانِ
والْفِقْهُ فُصِّلَ فِي غُضُونِ كَلامِهِ ... فَكَأَنَّهُ شَيْخُ الَتُّقَى الْحَرَّانِي
قَدْ زَانَهُ اللَّهُ الْكَرِيمُ بِحُلَّةٍ من ... أَجْمَلِ الأَخَلاقِ وَالإِحْسَانِ
فَبَشَاشَةٌ أَخَّاذَةٌ وَتَواضَعٌ يَسْبِي ... النُّفُوسَ بِغُصْنِهِ الْفَيْنانِ
¥