تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبدرجةٍ أقل الجغرافية، وصعوبة معرفة المفتين في كتب النوازل، لأنَّ هذه الأخيرة تكتفي في الغالب بذكر كنية الفقيه أو العالم دون اسمه ولقبه، وقد يوجد أكتر من فقيهٍ يحمل نفس الكنية، هذا إضافةً إلى غياب الدراسات الحديثة التي تناولت الموضوع، والتي لو وجدت لكانت مهمتي، بلا شكٍ، أسهل بكثير.

نتائج البحث:

يستنتج من دراسة بلاد المغرب طبيعيا أن الارتفاع هو الغالب على السطح، حيث تسيطر السلاسل الجبلية والهضاب على القسم الشمالي منها، أمّا القسم الجنوبي، فهو جزءٌ من الصحراء الإفريقية، ويتميّز التّساقط بعدم الانتظام بين السّنوات والفصول، وهو يقلّ كلَّما توجَّهنا من الغرب إلى الشّرق، أو من الشمال إلى الجنوب، لذلك تعتبر المنطقة الشمالية من بلاد المغرب من أوفر المناطق مطراً، وأغناها نباتاً، وهي الأفضل لتربية الحيوانات، لكن هذا لا يعني أن جنوب بلاد المغرب لم يعرف هذا النشاط، فقد تكيفت بعض الحيوانات مع الظروف الصعبة وأصبحت قادرةً على تحمُّل الجفاف والتباين الحراري الكبير.

وعرفت بلاد المغرب تربيةَ الماشية خلال الفترة المدروسة، حيث تحدَّثت المصادر عن وفرة أعدادها في العديد من المناطق، ويبدو أنَّ هناك مناطقاً اختصت بتربية نوعٍ منها أكثر من غيره، وكان أهل بلاد المغرب يربون الخيل والحمير والبغال، وقد لاقت الخيول المغربية شهرةً كبيرة في المشرق والأندلس، حيث كانت تُنقَل إلى هناك، وهي من السلالات المؤسسة للخيول في العالم، إذ انحدر منها الجواد الأنَّدلسي الذي يُعرَف اليوم بالجواد الإسباني.

ووجدت بالمنطقة تربية النحل ودود الحرير، والدجاج والحمام، ومن اللافت أن الفقه الإسلامي وضع لتربية الكلاب شروطاً، إذ اشترط استعمالها في الحراسة أو الرعي أو الصيد، ومنع تربيتها لغير ذلك، لكن بعض أهل المغرب كانوا يأكلونها، رغم أن الفقهاء لا يجيزون ذلك.

ونشطت حرفة الرعي كنتيجة طبيعية لوفرة الماشية، وانقسم الرعاة إلى مستقرين ومتنقلين، أما المستقرون منهم، فهم يقومون بنشاطاتٍ أخرى إلى جانب الرَّعي، وتتمثَّل نشاطاتهم غالباً في الزِّراعة، وهم لا يبتعدون في طلب المراعي ولا يتجاوزون في أغلب الأحيان حدود قُراهم، وقد كان كثيرون منهم يسندون رعي مواشيهم، إلى رعاة مستأجرين، وأُخضِعَت عملية استئجار الرُّعاة لتعاليم الشَّريعة الإسلامية، فضبطتها كتب الفقه وبيَّنت ما للأجير وما عليه.

أما الرعاة المتنقلون، فقد كانوا يجوبون أنحاء بلاد المغرب في جماعاتٍ، تمثلها القبيلة غالباً، وتتحكم المراعي في حلهم وترحالهم، وكانت القبائل الرعوية المتنقلة كثيرةً.

وقد كانت المراعي مهمة جداً في بلاد المغرب، حيث كان توفرها من الشروط التي تراعى في تأسيس المدن، لدرجة أنهم قد يهملون الشروط الأخرى إذا توفرت، وتشير كتب الجغرافيا التي تحدَّثت عن بلاد المغرب إلى كثرة المراعي، حيث لا تكاد تخلو منها منطقةٌ واحدةٌ، لكنَّها اختلفت في خصوبتها واتساعها ومُلاءمتها لأنواع الحيوانات.

وقد لاقت الحيوانات رعايةً كبيرةً، حيث كانوا يعلفونها، في أيام العمل الشاق والحروب حتى لا تضعف، مما أدى إلى ازدهار زراعة العلف والقصيل، كما عملوا على إيواءها حفظاً لها من السباع أو الظروف المناخية، فاتخذوا الإسطبلات والزرائب.

وقد شدد الفقهاء في بلاد المغرب على الرفق بالحيوانات، ولم يتسامحو مع بعض المخالفات التي ترتكب في حقها، كما بينت كتب الحسبة أوجه الغبن الذي تتعرض له البهائم وألزمت، المحتسب برفعه.

وواجهت تربية الحيوانات الكثير من المشاكل التي تؤثر عليها سلباً، ومن هذه المشاكل ما كان للإنسان دخل فيها، مثل الحروب أوالفتن التي كانت المنطقة تمر بها من حين لآخر، ومنها ما هو طبيعي مثل الأسود أو الكوارث الطبيعية من جفاف وفيضانات.

وارتبط نشاط تربية الحيوانات بغيره من النشاطات الاقتصادية ارتباطاً وثيقاً، حيث وفر للزراعة السماد والآلة، واعتمدت الصناعة على ما وفرته الحيوانات من موادٍ أولية تتمثل في الجلود والصوف، والعسل واللبن، وكانت المنتجات المصنوعة من موادٍ حيوانيةٍ تملأ الأسواق في الداخل وتصدر نحو الخارج، ولعبت الحيوانات دوراً حاسما في حركة التجارة التي عُرفت في تلك الفترة بين بلاد المغرب والمشرق من جهة، وبين بلاد المغرب وبلاد السودان من جهةٍ أخرى، حيث اعتمدت التجارة على الحيوانات بشكلٍ كبيرٍ، باعتبارها سلعةً نافقةً، ووسيلة وحيدةً لنقل البضائع براً.

وفي الأخير أتوجه بخالص الشكر إلى أستاذي الفاضل، الأستاذ الدكتور محمد بن عميرة، الذي خصص الكثير من وقته لمتابعة هذا العمل منذ أن كان فكرةً يستغربها الكثيرون حتى وصل إلى ما هو عليه الآن، وأفادني بنصائحه وتوجيهاته القيمة، فتعلمت منه الكثير، كما لا يفوتني أن أشكر والدي الكريم على كل ما بذله لإتمام هذا العمل، وأصدقائي الذين لقيت منهم الكثير من التشجيع خلال الفترة التي قضيتها في إنجاز هذا العمل، والذين لا يسعني المَقام لذكرهم جميعا.

ولا أجد ما أختم به هذه الكلمة إلا ما قاله ابن خلدون، في بداية مقدمته حيث قال": وأنا ... راغب من أهل اليد البيضاء، والمعارف المتسعة الفضاء، في النظر بعين الانتقاد لا بعين الارتضاء، والتغمد لما يعثرون عليه بالاصلاح والاغضاء، فالبضاعة بين أهل العلم مزجاة، والاعتراف من اللوم مَنجاة، والحسنى من الإخوان مُرتجاة، واللَّهَ اسأل أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم وهو حسبي ونعم الوكيل"، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير