تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لا عذر لهذا وأمثاله من أهل الضلال الذين منشأ ضلالهم الإعراض عن الوحي الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو ظن أنه مهتد، فإنه مفرِّط بإعراضه عن اتباع داعي الهدى، فإذا ضل فإنما أُتي من تفريطه وإعراضه، وهذا بخلاف من كان ضلاله لعدم بلوغ الرسالة وعجزه عن الوصول إليها، فذاك له حكم آخر.

والوعيد في القرآن إنما يتناول الأول، وأما الثاني فإن الله لا يعذب أحداً إلا بعد إقامة الحجة عليه) انتهى.

_* ثم ختم المؤلف هذه النواقض بقوله رحمه الله: (ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف إلا المكره) انتهى.

وقد تقدم الكلام في الهازل في الناقض السادس، وأنه لا يعذر بكفره وقد حكم الله بكفر المستهزئين الذين قالوا: [التّوبَة: 65] {إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} فقال [التّوبَة: 66] {لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} فإذا كان هذا حكم الهازل فالجاد أولى وأولى، وهذا محل إجماع.

قال ابن نجيم في «البحر الرئق»: (5/ 134):

(من تكلم بكلمة الكفر هازلاً، أو لاعباً كفر عند الكل، ولا اعتبار باعتقاده) انتهى.

والخائف لا عذر له بالكفر مالم يكن مكرهاً إكراهاً ملجئاً كأن يوضع السيف على عنقه فيطلب منه قول الكفر كسب الرسول صلى الله عليه وسلم أو فعله كالسجود للصنم، بشرط أن يكون قلبه مطمئناً بالإيمان قال تعالى: [النّحل: 106] {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِْيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ *}

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في «الصارم المسلول»:

(وبالجملة فمن قال أو فعل ما هو كفر كفَرَ بذلك، وإن لم يقصد أن يكون كافراً، إذ لا يقصد الكفر أحد إلا ما شاء الله .. ) انتهى المراد منه. فصل

والكفر حكم شرعي، والكافر هو من حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بكفره، فليس الكفر من حق أحد من الناس، بل هو من حقوق الله تعالى.

والجهل بدين الله أصل كل بلية وشر، فهو سبب الذنوب والمعاصي كبيرها وصغيرها، والمعاصي سبب كل شر في الدنيا ومادته، فعاد كل شر فيها إلى الجهل، فهو إليه منتسب وعنه متفرع.

وكل صفة مدح فهي ثمرة العلم ونتيجته، وكل صفة ذم فهي ثمرة الجهل ونتيجته، وكما قيل: «خير المواهب العقل، وشر المصائب الجهل».

والجهل دركات، وأصحابه متفاوتون فيما بينهم على أبعد مما بين السماء والأرض، وما كل جاهل معذور.

والجهل بأصول الدين والملِّة، وكليات الأمور الاعتقادية، لا يُعْتبر عذراً، فإفراد الله بالعبادة ونبذ ما سواه من المعبودات الباطلة هو المقصود من الشهادتين، ولب دين الإسلام، فالشارع قد شدد في عقائد أصول الدين تشديداً عظيماً، والأصل في أصول الدين وأحكامه الظاهرة الجليَّة عدم العذر بالجهل، ولو عذر الجاهل لأجل جهله لكان الجهل خيراً من العلم، كما قال الشافعي _ح.

فلا تقبل دعوى الجهل فيما يفعله المشركون عند القبور والأضرحة والمزارات من دعاء الأموات، والذبح لهم، والاستعانة بهم، وسؤالهم المغفرة، وطلب الشفاء، فكل هذا مما هو معلوم من دين الإسلام بالضرورة أنه شرك أكبر، قال تعالى: [الأنعَام: 162 - 163] {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ *} وقال [المؤمنون: 117] {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ *}.

ومثل هذا سب الشريعة، والاستهزاء بالدين والطعن فيه، فهذا لا يعذر صاحبه بجهله، إلا من كان حديث عهد بكفر، أو نشأ ببادية بعيدة، أو كان يسكن بين كفار؛ وتعذر عليه رفع الجهل عن نفسه.

وكذلك أركان الإسلام والمحرمات الظاهرة كالزنا واللواط وشرب الخمر، لا يعذر من هو بين المسلمين بجهلها ولا يقبل منه ذلك.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير