تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأمعن، في المحاكمة بين الإمامين في السند المعنعن) وعمل مقارنة بين شرط البخاري ومسلم، وإن كنتُ رأيتُ في هذا الكتاب- مع قوة نَفَس ابن رشيد فيه- (وابن رشيد من الأئمة الفحول الكبار وله كتاب ممتع يدل على رحلته الواسعة وهمته العالية سماه:ملء العيبة بما جُمع بطول الغيبة في الوجهة الوجيهة مكة وطيبة، كتاب جمع في رحلته ولقائه بالشيوخ وطلاب العلم والأحاديث والكتب التي أخذها عنهم، أي أن هذا رجل فاضل عالم جليل) لكن على العادة [فإن] علماء المغرب مجاهيل، علماء المغرب عن أهل المشرق مجاهيل أو كالمجاهيل، نحن لا نعرف أحداً من علماء المغرب بخلاف المشرق، فإن المغاربة يعرفون علماء المشرق جميعاً، لأن المشرق هو أرض الرسالات، وكل الأنبياء نزلوا في المشرق دون المغرب، وكأن المغرب حل عليه معنى الغروب فلم يشتهر علماؤه، لذلك لو قلتُ لكل طلبة العلم النبهاء الفضلاء هل يستطيع الواحد منكم أن يسمي لي عالما من ليبيا أو تونس أو الجزائر أو المغرب أو موريتانيا مثلاً (وربما لأن العلماء الشناقطة جاؤوا إلى المشرق فعُرفوا وإلا لو بقوا في موريتانيا لما عرفوا) فلا يستطيع واحد منا أن يعرف عالما من علماء المغرب وهذه المسألة قديمة، فكان ابن حزم من نباهته لم يُعرف في المشرق، وقد توجع هو من ذلك وقال:

أنا الشمس في جو العلوم منيرةٌ لكن عيبي أن مطلعيَ الغربُ

ولو أنني من جانب الشرق طالعٌ لجد على ما ضاع في ذكري النهب

ولو نحو أكناف العراق صبابة ولا غرو أن يستوحش الكلف الصبُّ

فإن ينزل الرحمن رحليَ بينهم فحينئذٍ يبد التأسف والكرْبُ

هنالك يظهر أن للبعد قصة وأن كساد العلم آفته القُربُ

فهو يقول إذا خرجتُ من المغرب وذهبتُ إلى العراق، ستأسفون على فقدي وتعرفون قيمتي، ولكن كساد العلم القرب، وأزهد الناس في العالم أهله وجيرانه.

فابن رُشيد هذا إمام عالم كبير متضلع بأنواع العلوم، وفي علم الحديث خصوصاً. صنف هذا الكتاب الممتع، وأنا أقرُّ بأنه كتاب ممتع وقد صنّفه بطريقة مبتكرة جيدة، ولكن مأخذي عليه أنه لم يحتفل برأي الإمام مسلم، ولم يتعنى في إظهار هذا الرأي مثلما تعنى في إظهار الرأي المنسوب إلى الإمام البخاري رحمه الله.

يقول ابن كثير يرحمه الله: "ومن هاهنا ينفصل لك النزاع في ترجيح تصحيح البخاري على مسلم كما هو قول الجمهور" على أساس أن شرط البخاري أضيق من شرط الإمام مسلم، وكلما ضاق الشرط كان دخول الخلل منه أقل، وكلما اتسع الشرط أمكن دخول الخلل منه، "كما هو قول الجمهور خلافاً لأبي علي النيسابوري شيخ الحاكم وطائفة من علماء المغرب ينسب إلى أبي علي النيسابوري أنه قال: ما تحت أديم السماء أصحّ كتاباً من كتاب مسلم" وإن كان الحافظ بن حجر العسقلاني أشار في مقدمة كتابه (فتح الباري) إلى عدم ثبوت هذا الكلام عن أبي علي النيسابوري، أي أن الإسناد إلى أبي علي فيه ضعف. فقيل لمّا رُدّ كلام أبي علي النيسابوري فيُحمل على أشياء أخرى بخلاف التصحيح، كترتيب مسلم لكتابه مثلاً، وكطريقته في نظم الإسناد، فكتاب مسلم يترجح فعلاً على كتاب البخاري من هذه الجهة، وأن من أراد أن يستمتع بدراسة الأسانيد فعليه بكتاب مسلم دون كتاب البخاريـ والذي يريد أن يستمتع بالفقه، فعليه بكتاب البخاري دون كتاب مسلم. والإمام البخاري يقطّع الأحاديث، الحديث الواحد في عدة أماكن على حسب الفقه الذي يطلبه من الحديث بخلاف مسلم فإنه يورد الحديث كاملا في الباب، فتستمتع أنت بالقراءة في صحيح مسلم على الحديث كاملا، وبعد الحديث يورد عدة أسانيد يقوي بها هذا الحديث مثل أول حديث في صحيح مسلم، حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي هو حديث الإيمان والإسلام والإحسان المعروف بحديث جبريل عليه السلام، فإن مسلماً أخرج هذا الحديث وانفرد به عن البخاري، فالبخاري لم يخرّج حديث عمر، إنما خرج حديث أبي هريرة والذي رواه مسلم أيضاً، فأورد مسلم الحديث عن ابن الخطاب ثم أتى له بعده أسانيد حوالي سبعة أسانيد غير الإسناد الذي بدأ به الحديث فيجمع الأسانيد كلها في مكان واحد، ويجمع الحديث كله في مكان واحد ولا يقطعه، وقلما يعيد مسلم الحديث في مكان آخر، نادراً جداً أن يعيد الحديث في مكان آخر، إنما البخاري فقد كرر حديث (إنما الأعمال بالنيات) في سبعة مواضع من صحيحه ولو أنه ينوع في مشايخه ولكن روى

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير