تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لو أن مسلما أراد أن يروي هذا الحديث عن جعفر من رواية ثقة غير قطن بن نسير، لكان بينه وبين جعفر اثنان، فسيقول حدثنا فلان عن فلان عن جعفر، فيكون بين مسلم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم كم واحد بهذا الاعتبار؟ خمسة. فمسلم يقول: هذا الحديث صحيح، وقد عُرف عند العلماء أنه صحيح، ورواية الثقات لهذا الحديث معروفة عند أهل العلم، فأنا بدلاً من أن أنزل درجة ويكون بيني وبين النبي صلى الله عليه وسلم خمسة من الرواة، آخذ طريق قطن ن نسير، ويكون بيني وبين النبي صلى الله عليه وسلم أربعة، والحديث معروف من رواية الثقات، فالمتن صحيح لا ريب فيه، فهذا الذي جعلني أُخرِّجُ رواية هؤلاء.

لكن متى يُلام مسلم؟ إذا كان قطن بن نسير مثلاً تفرّد بهذا الحديث، ولم يتابعه أحد من أهل العلم. فنقول له: راوٍٍ ضعيف، تفرّد بهذه الرواية، كيف خرّجتَ حديثه؟ لكن مامن حديث رواه مسلم- وما أقل ما روى مسلم لقطن بن نسير- روى عنه حديثين فقط. وأنا سأذكر روايات هؤلاء الثلاثة في صحيح مسلم، وكيف وقعوا، وكيف احتاط مسلم غاية الاحتياط في الرواية عن هؤلاء الثلاثة، وفي الرواية عن أمثال هذا الذرّ المتكلم فيهم.

إذن مسلم أبدى عذره، وهو عذر مقبول عند أهل العلم، أعرض عن هذه الطريق لنزولها، وخرّج هذا الطريق لعلوه.

ولمّا قَدِم مسلم الري على محمد بن مسلم بن وارة، عاتبة أيضاً وقال له ما قال أبو زرعة الرازي، فأجابه مثلما أجاب سعيد بن عمر البرزعي، فعذره محمد بن مسلم بن وارة، وحدثه وقبل عذره.

تعالوا الآن ننظر في روايات هؤلاء الثلاثة على وجه الخصوص، طالما أن أبا زرعة الرازي قد سمّاهم، لننظر كيف روى مسلم لهؤلاء الثلاثة في صحيحه.

أولاً: أسباط بن نصر الهمداني أبو يوسف يقال أبو نصر، وهذا كما قلتُ ليس من شيوخ مسلم، إنما هو من طبقة شيوخ مسلم، هذا الراوي أسباط بن نصر، وثّقه ابن معين، وابن حبّان، وابن شاهين، وقال البخاري: صدوق. وتوقّف فيه أحمد، سئل عن حاله، قال: لا أدري. واختلف فيه رأي الفضل بن دُكين، فقال أبو حاتم الرازي: سمعتُ الفضل بن دُكين، [أو قال] سُئل، أو قال سألتُ الفضل بن دُكين عن أسباط بن نصر، قال: أحاديثه مقلوبة ألأسانيد. وسأله محمد بن مهران الجمّال، قال: سألتُ أبا نُعيم عن أسباط بن نصر، قال: لم يكن به بأس، لكنه أهوج.

إذن اختلف رأي الفضل بن دُكين في أسباط بن نصر. وقال النسائي: ليس بالقوي. وذكره أبو زكريا الساجي، وأبو العرب القيرواني في كتاب الضعفاء.

هذا الراوي، كم حديثاً أخرجه مسلم له؟ أخرج له حديثاً واحداً فقط في صحيحه. فإن ما يقال أن مسلماً أخرج لأسباط بن نصر وهو رجل متكلّم فيه، إنما أخرج له حديثاً واحداً، هو حديث جابر بن سمرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم تلقّى غلماناً فكان يمسح خدي كل غلام منهم، قال: فلمّا جاء دوري، فمسح على خدي بيديه، فما رأيتُ يداً أبرد أو أطيب من يده صلى الله عليه وسلم، كأنما أخرجها من جؤنة عطار. والجؤنة هي ... -كلمة غير مسموعة جيدا- المتاع، كأن واحداً أدخل يده في كيس عطر فصارتْ يده معطرة. وهذا الحديث لم يروه احد من الأئمة الستة، إلا مسلماً، ولم يروه أحمد في مسنده، على سعة ما في المسند من أحاديث.

هذا هو الحديث الوحيد الذي أخرجه مسلم لأسباط بن نصر، أما قطن بن نسير- وهو من شيوخ مسلم- فأخرج له مسلم حديثين، الحديث الأول في المتابعات، والحديث الثاني مقرون بغيره. إذن فمسلم احتاط في الرواية عنه أم لا؟ أما في الرواية الأخرى فأخرجها في المتابعات، والحديث الأول الذي أخرجه مسلم له في كتاب الإيمان، ساق في الإمام مسلم حديث أنس في ثابت بن قيس بن الشمّاس، لمّا نزل قوله تبارك وتعالى: {لا تَرْفَعُواْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيْ} فاعتزل ثابت بن قيس بن الشماس في بيته، وكان رجلا رفيع الصوت، أي أن صوته مرتفع خلقة، [حين يتكلم بطريقة عادية يُسمع على مسافة وبعد]، فلما نزلتْ الآية: {لا تَرْفَعُواْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيْ} اعتزل في بيته وبكى وقال: أنا من أهل النار، أنا حبط عملي. ففقده النبي صلى الله عليه وسلم أياماً فسأل عنه سعد بن معاذ، فاقل: يا أبا عمر! أين ثابت بن قيس؟ لم أره، أشتكى؟ (أهو مريض يعني؟) قال سعد: أنا جاره وما علمته اشتكى. ثم ذهب إليه سعد يتفقّد حاله، فوجده يبكي، فقال: مالك؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير