تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويكون في أمتي رجل يقال له أبو حنيفة هو سراج أمتي) قالوا: وفي إسناده

وضاعان: أحدهما مأمون بن أحمد السلمي والآخر أحمد بن عبد الله الخونباري وقد

رواه الخطيب عن أبي هريرة مرفوعًا، واقتصر على ما ذكره في أبي حنيفة وقال:

موضوع وضعه محمد بن سعيد المروزي البورقي ثم قال: هكذا حدث به في بلاد

خراسان ثم حدث به في العراق وزاد فيه: (وسيكون في أمتي رجل يقال له:

محمد بن إدريس. فتنته أضر على أمتي من فتنة إبليس) قالوا: وهذا الإفك لا

يحتاج إلى بيان بطلانه. ومع هذا تجد الفقهاء المعتبرين يذكرون في كتبهم الفقهية

شق الحديث الذي يصف أبا حنيفة بأنه سراج الأمة ويسكتون عليه بل يستدلون به

على تعظيم إمامهم على سائر الأئمة وهم مع هذا قدوة الأمة الذين يؤخذ بأقوالهم في

الدين ويترك له الكتاب والسنة لأنهما على قولهم يختصان بالمجتهدين.

(ثالثها): الغفلة عن الحفظ اشتغالاً عنه بالزهد والانقطاع للعبادة , وهؤلاء

العباد والصوفية يحسنون الظن بالناس ويعدون الجرح من الغيبة المحرمة , ولذلك

راجت عليهم الأكاذيب وحدثوا عن غير معرفة ولا بصيرة , وقد عدهم بذلك بعض

المحدثين من أصناف الوضاع , وحاشا الله ما نعتقد أنهم يتعمدون ذلك , وما هو إلا

ما ذكرنا وعلى كل حال يجب أن لا يعتمد على الأحاديث التي حشيت بها كتب

الوعظ والرقائق والتصوف من غير بيان تخريجها ودرجتها. ولا يختص هذا الحكم

بالكتب التي لا يعرف لمؤلفيها قدم في العلم ككتاب (نزهة المجالس) المملوء

بالأكاذيب في الحديث وغيره بل إن كتب أئمة العلماء كالإحياء لا تخلو من

الموضوعات الكثيرة.

(رابعها): قصد التقرب من الملوك والسلاطين والأمراء كما نص على

ذلك غير واحد من الحفاظ , وكما كذب علماء السوء على الرسول صلى الله عليه

وسلم لأجل السلاطين كذبوا كذلك في وضع الأحكام والفروع الفقهية لأجلهم , ومن

الأحاديث الموضوعة في هذا الباب ما اشتمل على مدح السلاطين وتعظيم شأنهم

وهو ما يتملق به الجهال للملوك في هذا العصر كما تملقوا لهم فيما قبله.

لها بقية

((يتبع بمقال تالٍ))


((مجلة المنار ـ المجلد [3] الجزء [23] صـ 545 21 جمادى الآخرة 1318 ـ 15 أكتوبر 1900))

البدع والخرافات
أسباب وضع الحديث واختلافه
(2)
ذكرنا في الجزء الماضي أربعة أسباب للكذب على الرسول صلى الله عليه
وسلم وهي أهم ما ذكره الحفاظ والمحدثون جزاهم الله أفضل الجزاء وبقي أسباب
نذكرها على ترتيب ما قبلها وهي:
(خامسها): الخطأ والسهو وقع هذا لقوم , ومنهم من ظهر له الصواب ولم
يرجع إليه أنفة واستنكافًا أن ينسب إليهم الغلط , ولم تعرف رقة دين هؤلاء وعدم
إخلاصهم في الاشتغال برواية الحديث إلا بعد ما وقع لهم ما وقع.
(سادسها): التحديث عن الحفظ ممن كانت له كتب يعتمد عليها فلم يتقن
الحفظ فضاعت الكتب فوقع في الغلط.
(سابعها): اختلاط العقل في أواخر العمر , وقع هذا لجماعة من الثقات
فكانوا معذورين دون من سلم بكل ما نسب إليهم من غير تمييز بين ما روي عنهم
في طور الكمال والعقل وبين ما روي في طور الاختلاط والهرم.
(ثامنها): الظهور على الخصم في المناظرة لا سيما إذا كانت في الملأ ,
وهو غير الوضع لنصرة المذاهب الذي تقدم قال ابن الجوزي: (ومن أسباب
الوضع ما يقع ممن لا دين له عند المناظرة في المجامع من الاستدلال على ما يقوله
كما يطابق هواه تنفيقًا لجداله. وتقويمًا لمقاله. واستطالة على خصمه , ومحبة
للغلب , وطلبًا للرياسة , وفرارًا من الفضيحة إذا ظهر عليه من يناظره.
(تاسعها): إرضاء الناس وابتغاء القبول عندهم واستمالتهم لحضور
مجالسهم الوعظية وتوسيع دائرة حلقاتهم , وقد ألصق المحدثون هذا السبب
بالقصاص وقالوا: إن في الأحاديث الصحاح والحسان مثل ذلك , ولكن الحفظ شق
على أولئك القصاص فاختاروا أقرب الموارد وهو الوضع. ونقول: إن قصاص
هذا الزمان قد اتبعوا خطوات أولئك الوضاع وحفظوا أكاذيبهم لسوء الاختيار فقلما
نرى واعظًا يحفظ الصحاح , وتراهم يكادون يحيطون بالموضوعات التي لا يكاد
يوجد بمعناها حديث صحيح السند لأن معظمها خرافات وأوهام وتجرؤ على
المعاصي بالأماني والتشهي. ولعل ابن الجوزي ما تصدى لتأليف كتابه في
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير