طبيب لأدواء المسلمين المزمنة غيركم - غلو لا نرضاه ولا نَوَدُّ صحته -
جئتكم متطفلاً على أعتابكم، راجيًا من جميلِ فضلِكُم وكرمِ إحسانكم، أن
تُحققوا رجائي، وتُفِيضُوا عليّ من صيب علمكم وإرشادكم ما يفعم إنائي
ويشفي أدوائي، ولعله قد سبق لكم جواب على بعض هذه الأسئلة في أعداد
سابقة؛ فأرغب إليكم أن لا تحيلوني على ما ليس عندي، وإن تفضلتم بالمبادرة
بالجواب فأنتم أهل الفضل ومعدن الإحسان، فما قول سيدي في:
1 - حديث: (أكثر أهل الجنة البله)، وكيف يتفق مع قول النبي صلى
الله عليه وسلم:
2 - (إِنَّمَا يُثَابُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ)؟
3 - وحديث: (يَأَتْي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ تَعْرُجُ فِيِهِ الْعُقُولُ)؛ وهل تعرج
من العرج أو من العروج؟
4 - وحديث: (خُذُوا نِصْفَ دِيِنِكُمْ عَنْ حُمَيْرا)؟
5 - وحديث ثناء النبي على أويس ولقيا عمر وعلي له، وطلبهما منه
الدعاء؟
6 - وحديث: (أَرواح الشهداء في جوف طير معلقة تحت العرش)
وهل روح الشهيد هي روح الطير أم لا؟
7 - وهل يثاب قارئ القرآن وإن لم يفهم معناه أو فهمه على غير المراد؟
8 - وما يروى عن أبي بكر - رضي الله عنه - أنه أكل طعامًا، فبان
له أن فيه شبهةً أو حرامًا فَتَقَايأَهُ، فهل لنا قُدْوَةٌ في عمل الصديق؟
9 - ألا وإن من أكبر الشبه الفاتكة بالعقول ما يدّعيه المشعوذون من
عبدة الجن من قولهم: إنهم يتصورون بصور مختلفة، ويتشكلون بأشكال
متنوعة إلى آخر ما يدعون ويزعمون، وقديمًا كنت لا أُعَوِّلُ على مختلقاتهم،
ولا أُعِيِرُ أذني لسماع خرافاتهم وخزعبلاتهم؛ حتى سمعت كلام الأستاذ الإمام
في هذا الموضوع فانشرح له صدري، وزال به غين الإشكال عن فهمي،
غير أني ارتبكت في تأويل قول الله تعالى عن أضياف إبراهيم حيث تَصوّروا
في صورة البشر ... إلخ ما يقول أهل التفسير.
10 - وهل القائل:
علة الكون أنت ولولاك لدامت في غيبها الأشياء
يعني بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم، مصيب في قوله أم مخطئ؟ فقد
اتخذ هذا القول بعض السذج من عقائد الدين الواجبة التسليم. أفيدوني سيدي
عن هذه الكلمات، وإن كانت ليست من الأهمية بمكان فقد أنزلت أملي بأعتابكم،
وأَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُعَمَّمَ النَّفعُ بِكُم ويُؤْتِيكُم مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا.
ع. ب. ح.
(الجواب)
1 - حديث: (أَكْثَرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْبُلْهُ)
هذا الحديث رواه البيهقي في الشعب، والبَزَّار في مسنده عن أنس
وهو ضعيف، قال ابن الأثير: هو جمع الأبله، وهو الغافل عن الشر
المطبوع على الخير، وقيل: هم الذين غلبت عليهم سلامة الصدور،
وحسن الظن بالناس؛ لأنهم أغفلوا أمر دنياهم فجهلوا حذق التصرف فيها،
وأقبلوا على آخرتهم فشغلوا أنفسهم بها، فاستحقوا أن يكونوا أكثر أهل
الجنة، فأمّا الأبله وهو الذي لا عقل له فغير مراد في الحديث، وفي حديث
الزبرقان (خَيْرُ أَوْلادِنَا الأَبْلَهُ الْعَقُوُلُ)، يريد أنه لشدة حيائه كالأبله وهو عقول
اهـ. وفَسّر في مادة عقل بأنه الذي يُظَنُّ به الحُمْقُ فإذا فتش وُجِدَ عَاقِلاً،
وقال سهل التستري الصوفي: هم الذين ولهت عقولهم وشغلت بالله عز
وجل، وقال بعضهم في تفسيره: إن من عبد الله تعالى لأجل الجنة فهو
أبله في جنب من يعبده لكونه ربًّا مالكًا، وقد يقال: إن هذا يُعَدُّ أيضًا أبله
في جنب من يعبده لعلمه بكماله الذي تدل عليه جميع أسمائه الحسنى
وصفاته العليا. وقال بعضهم: إن المراد بالجنة ما يقابل الدرجات العلى من الجنة
التي هي منازل المقربين الذين هم أرقى من هؤلاء.
* * *
2 - حديث: (إِنَّمَا يُثَابُ النَّاس عَلَى قَدْر عُقُولِهِمْ)
لا أذكر أنني رأيت هذا الحديث في دواوين المحدثين بهذا اللفظ، وما
أراه إلا من موضوعات المتأخرين، ولكن ورد في معناه حديث عائشة
في نوادر الأصول للحكيم الترمذي وهو أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم:
بأي شيء يتفاضل الناس؟ قال: (بالعقل في الدنيا والآخرة) قالت: قلت:
أليس يجزى الناس بأعمالهم؟ قال: (يا عائشة وهل يعمل بطاعة الله إلا
من عقل؟ فبقدر عقولهم يعملون وعلى قدر ما يعملون يجزون)، وحديث
أنس عند الحكيم الترمذي في نوادره أيضًا: (إن الأحمق يصيب بحمقه
¥