ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[06 - 10 - 04, 10:29 ص]ـ
أحاديث تقويم ديوان الأوقاف
(س 8) من صاحب الإمضاء في الإسكندرية:
صاحب الفضيلة العلامة منشئ المنار الأغر:
ما قول سيدي الأستاذ - وهو المحقق الأوحد في فن الحديث الشريف - فيما
تذيل به صحائف التقويم الذي يصدره ديوان عموم الأوقاف عن حساب
الأيام والشهور ومواقيت الصلاة إلخ إلخ، من الجمل الحكمية التي اختيرت على
أنها أحاديث صحيحة من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس على كثير
منها صبغة ذلك الكلام البليغ الذي عهدناه في كتب الحديث الصحيح وأمهات
كتب الشريعة الإسلامية.
وإذا صح أن متخير هذه الحكم لم يحتط في بحثه ولم يرجع في مثل هذا العمل
الخطير إلى الإخصائيين الراسخين في علم الحديث والسنة، وهو أول وأحق ما
يجب اتباع قول الله فيه: ? فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ? (النحل:
43) فما عذر علماء مصر ورجال الدين فيها؟ وهذه الحكم تنتشر على صحائف
جريدة المؤيد، وتعلق عليها الشروح الضافية على أنها أحاديث صحيحة.
وكان يجوز أن نلتمس لهم بعض العذر لو بقيت هذه الأحاديث على صحائف
التقويم بين جدران الغرف، ولكن الأمر قد شاع وذاع وكثر اللغط فيه.
فهل لسيدي الأستاذ أن يتصدى للموضوع بباعه الطويل، وقلمه البليغ،
لتنجاب عنا هذه الغيوم، وتبيد تلك الهموم؟.
ابن منصور
(ج) إنني لم أنظر تقويم الأوقاف إلا معلقًا على بعض الجُدُر من بعيد
فلم أَرَ فيه شيئا من هذه الأحاديث، ولكني رأيت بعض ذلك في المؤيد، وقلت
لأحد محرريه: إن كثيرًا منها لم يروهِ أحد من المحدثين عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم بسند صحيح ولا حسن ولا ضعيف، وبعضها مروي فيجب
على شارحها تمييز الحديث من غيره منها.
وإطلاق اسم الأحاديث عليها غير جائز؛ إذ ليس لمسلم أن يعتد بعزو
أحد حديثًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا إذا عزاه إلى بعض أئمة
المحدثين أصحاب الدواوين المعروفة في تخريج الأحاديث أو وثق بعلمه
بالحديث، سواء رأى هذا الحديث في جريدة أو كتاب أو سمعه من متكلم أو
خطيب، فإننا كثيرًا ما نسمع من خطباء الجمعة الأحاديث الضعيفة
والموضوعة والمحرفة حتى صار يضيق صدري من دخول المسجد لصلاة
الجمعة قبل الخطبة الأولى أو في أثنائها، فمن سمع الخطيب يعزو إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم قولا يعلم أنه موضوع، يحار في أمره لأنه إذا سكت
على هذا المنكر يكون آثمًا، وإذا أنكر على الخطيب جهرًا يخاف الفتنة على
العامة، والواجب على مدير الأوقاف منع الخطباء من الخطابة بهذه الدواوين
المشتملة على هذه الأحاديث أو تخريج أحاديثها إذا كانت الخطب نفسها خالية
من المنكرات والخرافات والأباطيل وما أكثر ذلك فيها.
وفي ص32 من فتاوى ابن حجر الحديثية أنه سئل عن خطيب يرقى
المنبر كل جمعة، ويذكر أحاديث لا يبين مخرجيها ولا رواتها، وذكر السائل
بعضها، وقال في ذلك الخطيب: إنه مع ذلك يدعي رفعة في العلم وسموًّا في
الدين، فما الذي يجب عليه وما الذي يلزمه؟
فأجاب بما حاصله أنه لا يجوز له أن يروي الحديث من غير أن يذكر
الرواة أو المخرجين إلا إذا كان من أهل المعرفة بالحديث أو بنقلها من كتبه
قال: وأما الاعتماد في رواية الأحاديث على مجرد رؤيتها في كتاب ليس
مؤلفه من أهل الحديث أو في خطب ليس مؤلفها كذلك - فلا يحل ذلك، ومن فعله
عزر عليه التعزير الشديد.
وهذا حال أكثر الخطباء فإنهم بمجرد رؤيتهم خطبة فيها أحاديث، حفظوها
وخطبوا بها، كذا من غير أن يعرفوا أن لتلك الأحاديث أصلاً أم لا. فيجب
على حكام كل بلد أن يزجروا خطباءها عن ذلك. ويجب على حكام بلد هذا
الخطيب منعه من ذلك إن ارتكبه. إلخ.
وحاصل الجواب: أن ما طبع في تقويم الأوقاف من الأحاديث بعضها له
أصل صحيح أو غير صحيح، وبعضها لا أصل له، بل هو حكم منثورة
لبعض الحكماء والعلماء، وأنه لا ينبغي لمسلم أن يروي شيئا منه مسميًا إياه
حديثًا نبويًّا إلا إذا علم ذلك بالرواية عن الثقات في علم الحديث أو برؤيته في
بعض دواوين الحديث المشهورة كالصحيحين وكتب السنن، أو معزوًّا إلى هذه
الكتب وأمثالها في مثل الجامع الصغير، وليعلم أنه ليس كل ما في كتب السنن
وأمثالها كمسند الإمام أحمد من الأحاديث يصل إلى درجة الصحيح في
¥