ولكن تظل المكتبة السليمانية أهم مركز للمخطوطات والكتب القديمة المطبوعة بالعربية والتركية والعثمانية، حتى يقدر ما تحتويه بـ 125 ألف مخطوطة و50 ألف كتاب مطبوع ويرجع تاريخ مكتبة السليمانية لعهد السلطان سليمان القانوني (1557)، وقد تحولت لمكتبة عامة سنة 1957م، وكانت من قَبل عبارة عن مدرسة للصبيان، وتمثّل الكتب العربية القسم الأعظم من محتويات المكتبة السليمانية، وتأتي الكتب العثمانية في المرتبة الثانية بعد العربية، وتأتي الكتب المكتوبة بالفارسية في المرتبة الثالثة بعدهما، ففيها ما يزيد عن 120 ألف كتاب ومخطوطة تمثل اللغة العربية منها حوالي 70 إلى 80 ألف كتاب، والعثمانية 30 ـ 40 ألف كتاب، وتبقى الفارسية بحدود 10 ـ 12 ألف كتاب.
أما عن موضوعات الكتب الموجودة بالمكتبة فهي تتعلق بعلوم إسلامية، مثل علوم القرآن الكريم، والتفسير، والحديث، والفقه، وعلم الكلام، والتاريخ والجغرافيا، والأدب، والكيمياء والفيزياء، والطب، والرياضيات، وكتب أخرى تتعلق بالفنون الإسلامية مثل الخط العربي وتذهيب المخطوطات، وفق الأوبرو (الرسم والتلوين على الماء)، ويرجع أقدم كتاب فيها لحوالي عام 1055م وهو مكتوب على الجلد، وتوجد بعض الكتب التي كُتبتْ على ورق قديم بالخط الكوفي.
وأكثر هذه الكتب التي تضمنتها المكتبة آلت إليها بجمع الكتب ونقلها من دور الوقف الخيرية، التي أنشأها سعيد باشا باستانبول.
وقد جمعت المخطوطات والكتب من الجوامع والمدارس والخانات والتكايا والزوايا والمساجد ودور الوقف العثمانية، ومن ثّمَّ تكونت مكتبة السليمانية التي تشمل على 117 مكتبة، مثل مكتبات السلاطين والوزراء العظام، ووالدات السلاطين، وشيوخ الإسلام.
هذا ولقد تم تصنيف الكتب الموجودة ـ إلا أقلها ـ وفهرسة معظمها وتحتوي المكتبة على فهارس: (كاتالوج) لمجموعة عهد السلطان عبد الحميد، ولكنه غير كافٍ، وهناك فهرس مطبوع في عام 1979 يتعلق بالمخطوطات الموجودة في كل تركية، وعدد أجزائه 30 جزءاً، وقد قامت المكتبة بتطبيق وسائل التقنية الحديثة كالحاسوب (الكومبيوتر)، ولعل وضع كل هذا على شبكة المعلومات خلال السنوات القليلة القادمة سيجعل القارئ من أي بلد يدخل على موقع المكتبة ليعرف ما هو موجود فيها، وسيكون الفهرس في بداية الأمر باللغة التركية، وسيكون بعد ذلك بالعربية والإنكليزية.
وليس من باب العتاب أن نقول إنه جاء وقت أصبح فيه الحصول على مخطوطٍ من المكتبات التركية دونه خرط القتاد، حيث يستلزم ذلك إذناً من السفارات أو القنصليات التركية في بلد القارئ، ولكن ألغي هذا القرار مؤخراً، فأصبح الباحث بإمكانه الحصول على مخطوطه بمخاطبة إدارة المكتبة برسالةٍ خطية أو بالناسوخ (الفاكس) يوضح فيه طلبه من المخطوطات، فتقوم المكتبة بالرد عليه، وبإعلامه بتحديد قيمة نسخة (الميكروفيلم) أو اسطوانة الـ (سي دي. C.D) ثُم ترسل له بعد قيامه بتحويل التكلفة لحساب المكتبة عبر البنوك.
وهناك مشروع جديد لتصوير محتويات المكتبات التي تقبع في أماكن خارج السليمانية وضمَّها إلى فهرس مكتبة السلمانية، بحيث يمكن جمع كل المخطوطات الموجودة في تركية في الحاسوب وفي مكتبة السليمانية في إطار مشروع وزارة الثقافة التركية.
ويقول المسؤولون الأتراك: إن الأمريكان ألحقوا ضرراً كبيراً في قطاع المخطوطات، فبقدوم قواتهم للمنطقة انخفض عدد الزوار الأجانب للسليمانية.
وفي السليمانية ـ فضلاً عن المخطوطات ـ هناك دورات تعليمية للخط العربي وفن التذهيب والمنمنمات، يقوم بالتدريس فيها المتخصصون في الفنون وتاريخها الإسلامي، ونضرب مثالاً على هذا أنْ استمر الدكتور الفنان علي ألب أصلان في تدريس دورات متتالية للخط العربي لمدة ست أو سبع سنوات، علاوة على قيام الفنان فؤاد باشا بتدريس فن الأوبرو.
وعلى ذكر الخط العربي نقول إن الخط العربي يُعد واحدً من أهم إنجازات الحضارة الإسلامية في مجال الفنون الجميلة التي قدمتها البشرية. إذ تجلت فيها عبقرية الفنان المسلم، فاستطاع توظيفه في أبدع صورة على جدران المساجد والمدارس وعلى المشكاوات والأواني النحاسية والسجاد، وتشهد الآثار التي وصلت إلينا حاملة هذا الفن البديع، على ما وصل إليه من رقي وإبداع.
¥