وكانون الثاني يثني على غير الكن، وليس على القوم إلا ما يواري، وقد كبا الزند الواري ... " (29).
وبلغ عدد قتلى المسلمين في المدينة بعد سقوطها أربعة وعشرين ألفاً، قتلوا على دم واحد رضاً وحطماً وقصفاً. وأما الوالي فقد عُذب عذاباً شديداً لمدة خمسة وأربعين يوماً حتّى مات تحت وطأة العذاب. وأثناء تعذيبه جاء النصارى بابنه البالغ من العمر ستة عشر عاماً فضربوا عنقه بين يديه، ثمَّ جاءوا بابنه الثاني البالغ ثلاثة عشر فتنصر.
على أن المعركة لم تنته بسقوط المدينة، لأنَّ أبا حفص بن شيري، الزعيم الذي أشير إليه فيما تقدم، خرج إلى الجبل واجتمع إليه ستة عشر ألف مقاتل اشتبكوا مع الروم في معارك متوالية. ولكن العدو استطاع أن يقضي في النهاية على تلك المقاومة بقتل قائدها ابن شيري في العاشر من ربيع الثاني سنة 628هـ أي بأكثر من عام من سقوط المدينة.
تلك هي رواية ابن عميرة المخزومي عن سقوط جزيرة ميورقة قد أوردناها مختصرة في هذا البحث، وهي رواية رجل عاصر تلك الكارثة واستقى أحداثها ممَّن عايشوا أطوارها ورووا تفصيلها. لذلك فليست الرواية الأسبانية بأكثر غنى وثراء من نص ابن عميرة في هذا الباب فضلاً عمَّا يشوبها من تحريف وتناقض وتعصب وتحيز ممَّا يجعلها غير جديرة بالثقة والاعتماد. وعليه فإننا نأمل أن يرى تاريخ ميورقة النور في القريب العاجل ولن يتأتى ذلك إلا بتحقيقه ونشره، وهو ما سنعمل جاهدين على الالتزام به إن شاء الله وهو الموفق والمعين.
مصادر ومراجع البحث:
ـ الإحاطة في أخبار غرناطة، ابن الخطيب لسان الدين، تقديم يوسف علي طويل. بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 2002م.
ـ الاكتفاء في أخبار الخلفاء (قطعة تاريخ الأندلس)، ابن الكردبوس، تحقيق مختار العبادي. مدريد: المعهد المصري للدراسات الإسلامية، 1971م.
ـ أبو المطرف أحمد بن عميرة المخزومي حياته وآثاره، محمد بن شريفة. الرباط: مطبعة الرسالة، 1966م.
ـ البيان المغرب (قسم الموحدين)، ابن عذاري المراكشي، تحقيق إبراهيم الكتاني وآخرون. بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1985م.
ـ تاريخ ميورقة، ابن عميرة أحمد بن عبد الله المخزومي، مخطوط خزانة زاوية بلعمش بمدينة تندوف (الجزائر) ,
ـ الذيل والتكملة، ابن عبد الملك المراكشي، تحقيق محمد بن شريفة. بيروت: دار الثقافة، دون تاريخ.
ـ الروض المعطار في خبر الأقطار، الحميري محمد بن عبد المنعم، تحقيق إحسان عباس. بيروت: مكتبة لبنان، 1984م.
ـ عصر المرابطين والموحدين في المغرب والأندلس، محمد عبد الله عنان. القاهرة: مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، ط1، 1964م.
ـ عنوان الدراية، الغبريني أبو العباس أحمد، تحقيق رابح بونار. الجزائر: الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، 1981م.
ـ كتاب العبر وديوان المبتدا والخبر، ابن خلدون عبد الرحمن. بيروت: دار الكتب العلمية، ط1
1992.
ـ مجموع رسائل موحدية، ليفي بروفنسال. باريس، 1942م.
ـ المعجب في تلخيص أخبار المغرب، عبد الواحد المراكشي، تعليق محمد سعيد العريان ومحمد العربي العلمي. الدار البيضاء" دار الكتاب، ط7، 1978م.
ـ المعجم في أصحاب القاضي ابن علي الصدفي، ابن الأبار أبو عبد الله. مدريد: 1886م.
ـ المغرب في حلى المغرب، ابن سعيد المغربي، تحقيق شوقي ضيف. القاهرة: دار المعارف، ط2، 1964م.
ـ نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، المقري أبو العباس أحمد، تحقيق إحسان عباس. بيروت: دار صادر، 1968م.
* أستاذ التاريخ الوسيط، جامعة وهران، الجزائر.
(2) المعجم في أصحاب القاضي ابن علي الصدفي، ابن الأبار، ص:163.
(3) الذيل والتكملة، ابن عبد الملك أبو عبد الله محمد، تحقيق: إحسان عباس، ج1، ص 152.
(4) أبو المطرف أحمد بن عميرة المخزومي حياته وآثاره، محمد بن شريفة، ص: 85.
(5) الذيل والتكملة، مصدر سابق، ص 156.
(6) البيان المغرب (قسم الموحدين)، ابن عذاري المراكشي، تحقيق: إبراهيم الكتاني وآخرين، ص ص: 373 –378.
(7) عنوان الدراية، الغبريني أبو العباس أحمد، تحقيق: رابح بونار، ص 253.
(8) الذيل والتكملة، مصدر سابق، ص: 180.
(9) عنوان الدراية، مصدر سابق، ص: 253.
(10) الإحاطة في أخبار غرناطة، ابن الخطيب لسان الدين، تقديم: يوسف علي طويل، ج1، ص65.
(11) نفح الطيب، المقري أبو العباس أحمد، تحقيق: إحسان عباس، ج1، ص 315.
¥