تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

18 شوال 626هـ، واستطاعت تلك القوة أن تقتل مجموعة من رجال المسلمين وتأسر خيلهم وكانت هذه الهزيمة أول البلايا وفاتحة الرزايا، إذ خلا للروم وجه الساحل وتوافت قواتهم عنده.

ولم يبق أمام الوالي سوى المواجهة الحاسمة، فنهض لقتال العدو وجمع من الفرسان ألفين إلا مئتين، ومن الرجالة عشرين ألفاً تنقصهم الخبرة القتالية. وكانت البداية موفقة، إذ لما ظهرت طلائع الروم أصاب فيهم المسلمون فرصة وقتلوا منهم مجموعة. وعندما حمي وطيس المعركة ازداد المسلمون قتالاً وكادت ريح النصر تهب، وإذا بأحد قوم الوالي يأتي إليه وينصحه بالصعود إلى أعلى الجبل القريب من ساحة المعركة حتّى لا يسبقهم إليه العدو، فكانت هذه النصيحة سبباً في حلول الكارثة بالمسلمين، لأنهم حين شرعوا في الاعتصام بالجبل حسب الناس أنها الهزيمة فولوا الدبر وفرّوا إلى المدينة واتبعهم العدو، ولم ينج منهم أحد إلا أعزل أكشف، وكان عدد القتلى قليلاً.

وبعد هذه الهزيمة شرع العدو في حصار مدينة ميورقة مدة طويلة قاربت الأربعة شهور (من 20 شوال 626هـ إلى غاية 14 صفر 627هـ). ووقعت أثناء هذا الحصار عدّة أحداث منها ضرب المدينة بالمجانيق، وهدم المسلمين للقنطرة التي كانت لهم على باب الكحل يخرجون عليها إلى العدو ظناً منهم أنها مكيدة وغفلوا عمَّا كان فيها من المصلحة، ومحاولة العدو حفر الخنادق للدخول إلى المدينة بسبب مناعة السور ولكنه فشل في ذلك.

ومن تلك الأحداث أيضاً طلب أهل البادية من الوالي قائداً يقاتلون العدو تحت إمرته، فبعث إليهم رجلاً من قومه، وهو الذي كان قد أشار إليه بالإسناد في الجبل يوم الوقعة الكبرى، ولكنه ما أن رأى عسكر الروم حتّى ولّى هارباً، ثمَّ طلبوا من الوالي قائداً آخر ولكنه أرسل إليهم الشخص نفسه فجرَ عليهم الويل بجبنه وتخاذله، إذ قتل منهم الروم عدداً كبيراً. ومن ذلك أيضاً تنصر أحد وجهاء المدينة وهو ابن عباد الذي سعى في أهل البادية بالفساد وأقنعهم بمصالحة الروم، وتم له ذلك حيث أعان هؤلاء العدو بالأقوات والعلف. ولم تجد المحاولة التي قام بها أهل المدينة نفعاً حين بعثوا إلى أهل البادية ينهونهم عن موالاة الروم ومساعدتهم. وكذلك تنصر ابن الوالي وفراره إلى الروم وإخباره لهم بمكان والده الذي أصابه حجر المنجنيق فكاد أن يقتله. كما نجح أثناء ذلك ابن شيري في إقناع أهل البادية بنقض الصلح المبرم مع الروم.

وفي يوم الجمعة 11 صفر 627هـ،، قرَّر الأسبان خوض المعركة الفاصلة واقتحام المدينة لأنهم "أوجسوا من أهل البادية خيفة، ورأوا الشدائد بهم مطيفة، وقالوا إن احتبست المدينة، وانقطعت عنا الميرة المعينة، والبرد قد خشن جانبه، والبحر قد خشي راكبه، وهدنة الرعية قد انقضت، وأيام إرفادها وإرفاقها قد انفضت، فنحن في قبضة الهلك، وطريق النجاة عويصة السلوك على الخيل والفلك، ولم يبق إلا أن نقاتل البلد بجملتنا، ونصدمه بسيل حملتنا، وإنما هو الظفر أو المنون، وإذا أخذنا البلد فما بعده يهون" (28).

وفي اليوم الموالي وهو يوم السبت اقتحم العدو المدينة وبدأ القتال الضاري الذي تواصل طوال ذلك اليوم، ويوم الأحد ليلاً ونهاراً، وانتهى يوم الاثنين 14 صفر بسقوط المدينة على يد الأسبان، وكان يوماً مشهوداً وصفه المؤلف بهذه العبارات البلغية "ورجفت الراجفة، وجالت في البلد الخيول الجارية، بل السيول الجارفة، وذهبوا بتلك النضارة، وأحالوا السيف على المقاتلة والنظارة، فكم ثغر كلح بعد الابتسام، ورضيع فُطم بالحسام، وغرّ ما جرى عليه القلم، سال بجاري دمه اللقم، وأعزل وجَأَهُ رامح، وجزع فاجأه بالقرح قارح، ومصونة عفر جبينها، وحامل تبعها في افاتة الحياة جنينها، ومطرت سحب الدماء سحابة ذلك اليوم، وسميت السابحات بالسبح الذي هو بمعنى العوم، ... هذا والحدمة محرقة، والحطمة مستغرقة، والأعضاد تنصف، والأعضاء تقصف، والصدور تشهق، والنفوس تزهق، ... وجمع الأسارى فامتلأت بهم الأرض، وكأنما جمعهم العرض، مولهون حيارى، (سكارى وما هم بسكارى (والنساء في أيديهن الأطفال، والرجال في أعناقهم الحبال، فمن كبير يحرم القوت ولا يُرحم، وصغير يستطعم أمه وأين المطعم، وفعل الحال للماضي ينسي، والبطون على الطوى تصبح وتمسي، والحياة كلا حياة، وذوات النعمة عُدْنَ ذاويات، وكان جمد البرد على نقيض وقدة الحزن،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير