تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وَلَيْسَ الْمُرَادُ هَاهُنَا بِالِاخْتِيَارِ الْإِرَادَةُ الّتِي يُشِيرُ إلَيْهَا الْمُتَكَلّمُونَ بِأَنّهُ الْفَاعِلُ الْمُخْتَارُ - وَهُوَ سُبْحَانُهُ - كَذَلِكَ وَلَكِنْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالِاخْتِيَارِ هَاهُنَا هَذَا الْمَعْنَى وَهَذَا الِاخْتِيَارُ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ فَإِنّهُ لَا يَخْلُقُ إلّا بِاخْتِيَارِهِ وَدَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا يَشَاءُ فَإِنّ الْمَشِيئَةَ هِيَ الِاخْتِيَارُ وَإِنّمَا الْمُرَادُ بِالِاخْتِيَارِ هَاهُنَا: الِاجْتِبَاءُ وَالِاصْطِفَاءُ فَهُوَ اخْتِيَارٌ بَعْدَ الْخَلْقِ وَالِاخْتِيَارُ الْعَامّ اخْتِيَارٌ قَبْلَ الْخَلْقِ فَهُوَ أَعَمّ وَأَسْبَقُ وَهَذَا أَخَصّ وَهُوَ مُتَأَخّرٌ فَهُوَ اخْتِيَارٌ مِنْ الْخَلْقِ وَالْأَوّلُ اخْتِيَارٌ لِلْخَلْقِ.

وَأَصَحّ الْقَوْلَيْنِ أَنّ الْوَقْفَ التّامّ عَلَى قَوْلِهِ وَيَخْتَار.

[مَا فِي مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ لِلنّفْيِ]

وَيَكُونُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ نَفْيًا أَيْ لَيْسَ هَذَا الِاخْتِيَارُ إلَيْهِمْ بَلْ هُوَ إلَى الْخَالِقِ وَحْدَهُ فَكَمَا أَنّهُ الْمُنْفَرِدُ بِالْخَلْقِ فَهُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالِاخْتِيَارِ مِنْهُ فَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَخْلُقَ وَلَا أَنْ يَخْتَارَ سِوَاهُ فَإِنّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِمَوَاقِعِ اخْتِيَارِهِ وَمَحَالّ رِضَاهُ وَمَا يَصْلُحُ لِلِاخْتِيَارِ مِمّا لَا يَصْلُحُ لَهُ وَغَيْرُهُ لَا يُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ بِوَجْهٍ.

[الرّدّ عَلَى مَنْ قَالَ إنّ مَا مَوْصُولَةٌ وَهِيَ مَفْعُولُ وَيَخْتَارُ]

وَذَهَبَ بَعْضُ مَنْ لَا تَحْقِيقَ عِنْدَهُ وَلَا تَحْصِيلَ إلَى أَنّ " مَا " في قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مَوْصُولَةٌ وَهِيَ مَفْعُولٌ " وَيَخْتَارُ " أَيْ وَيَخْتَارُ الّذِي لَهُمْ الْخِيَرَةُ وَهَذَا بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ.

أَحَدُهَا: أَنّ الصّلَةَ حِينَئِذٍ تَخْلُو مِنْ الْعَائِدِ لِأَنّ " الْخِيرَةَ " مَرْفُوعٌ بِأَنّهُ اسْمُ " كَانَ " وَالْخَبَرُ " لَهُمْ " فَيَصِيرُ الْمَعْنَى: وَيَخْتَارُ الْأَمْرَ الّذِي كَانَ الْخِيَرَةَ لَهُمْ وَهَذَا التّرْكِيبُ مُحَالٌ مِنْ الْقَوْلِ. فَإِنْ قِيلَ يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ بِأَنْ يَكُونَ الْعَائِدُ مَحْذُوفًا وَيَكُونَ التّقْدِيرُ وَيَخْتَارُ الّذِي كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ فِيهِ أَيْ وَيَخْتَارُ الْأَمْرَ الّذِي كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ فِي اخْتِيَارِهِ.

قِيلَ هَذَا يَفْسُدُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْمَوَاضِعِ الّتِي يَجُوزُ فِيهَا حَذْفُ الْعَائِدِ فَإِنّهُ إنّمَا يُحْذَفُ مَجْرُورًا إذَا جُرّ بِحَرْفِ جُرّ الْمَوْصُولُ بِمِثْلِهِ مَعَ اتّحَادِ الْمَعْنَى نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَأْكُلُ مِمّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمّا تَشْرَبُونَ [الْمُؤْمِنُونَ 33] وَنَظَائِرِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ جَاءَنِي الّذِي مَرَرْت وَرَأَيْت الّذِي رَغِبْت وَنَحْوَهُ.

الثّانِي: أَنّهُ لَوْ أُرِيدَ هَذَا الْمَعْنَى لَنَصَبَ " الْخِيَرَةَ " وَشَغَلَ فِعْلَ الصّلَةِ بِضَمِيرِ يَعُودُ عَلَى الْمَوْصُولِ فَكَأَنّهُ يَقُولُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ أَيْ الّذِي كَانَ هُوَ عَيْنَ الْخِيَرَةِ لَهُمْ وَهَذَا لَمْ يَقْرَأْ بِهِ أَحَدٌ الْبَتّةَ مَعَ أَنّهُ كَانَ وَجّهَ الْكَلَامَ عَلَى هَذَا التّقْدِيرِ.

الثّالِثُ أَنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ يَحْكِي عَنْ الْكُفّارِ اقْتِرَاحَهُمْ فِي الِاخْتِيَارِ وَإِرَادَتَهُمْ أَنْ تَكُونَ الْخِيَرَةُ لَهُمْ ثُمّ يَنْفِي هَذَا سُبْحَانَهُ عَنْهُمْ وَيُبَيّنُ تَفَرّدَهُ هُوَ بِالِاخْتِيَارِ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَقَالُوا لَوْلَا نُزّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيّا وَرَحْمَةُ رَبّكَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ [الزّخْرُفُ 32. 31] فَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير