تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

سُبْحَانَهُ تَخَيّرَهُمْ عَلَيْهِ وَأَخْبَرَ أَنّ ذَلِكَ لَيْسَ إلَيْهِمْ بَلْ إلَى الّذِي قَسَمَ بَيْنَهُمْ مَعَايِشَهُمْ الْمُتَضَمّنَةَ لِأَرْزَاقِهِمْ وَمُدَدِ آجَالِهِمْ وَكَذَلِكَ هُوَ الّذِي يَقْسِمُ فَضْلَهُ بَيْنَ أَهْلِ الْفَضْلِ عَلَى حَسَبِ عِلْمِهِ بِمَوَاقِعِ الِاخْتِيَارِ وَمَنْ يَصْلُحُ لَهُ مِمّنْ لَا يَصْلُحُ وَهُوَ الّذِي رَفَعَ بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٌ وَقَسَمَ بَيْنَهُمْ مَعَايِشَهُمْ وَدَرَجَاتِ التّفْضِيلِ فَهُوَ الْقَاسِمُ ذَلِكَ وَحْدَهُ لَا غَيْرُهُ وَهَكَذَا هَذِهِ الْآيَةُ بَيّنَ فِيهَا انْفِرَادَهُ بِالْخَلْقِ وَالِاخْتِيَارِ وَأَنّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِمَوَاقِعِ اخْتِيَارِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ [الْأَنْعَامُ 124] أَيْ اللّهُ أَعْلَمُ بِالْمَحَلّ الّذِي يَصْلُحُ لِاصْطِفَائِهِ وَكَرَامَتِهِ وَتَخْصِيصِهِ بِالرّسَالَةِ وَالنّبُوّةِ دُونَ غَيْرِهِ.

الرّابِعُ أَنّهُ نَزّهَ نَفْسَهُ سُبْحَانَهُ عَمّا اقْتَضَاهُ شِرْكُهُمْ مِنْ اقْتِرَاحِهِمْ وَاخْتِيَارِهِمْ فَقَالَ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللّهِ وَتَعَالَى عَمّا يُشْرِكُونَ [الْقَصَصُ 68] وَلَمْ يَكُنْ شِرْكُهُمْ مُقْتَضِيًا لِإِثْبَاتِ خَالِقٍ سِوَاهُ حَتّى نَزّهَ نَفْسَهُ عَنْهُ فَتَأَمّلْهُ فَإِنّهُ فِي غَايَةِ اللّطْفِ.

الْخَامِسُ أَنّ هَذَا نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي [الْحَجّ 73 - 76]: إِنّ الّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ مَا قَدَرُوا اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ إِنّ اللّهَ لَقَوِيّ عَزِيزٌ ثُمّ قَالَ اللّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النّاسِ إِنّ اللّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ

وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِهِ فِي [الْقَصَصِ 69] وَرَبّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ وَنَظِيرُ قَوْلِهِ فِي [الْأَنْعَامِ 124] اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ فَأَخْبَرَ فِي ذَلِكَ كُلّهِ عَنْ عِلْمِهِ الْمُتَضَمّنِ لِتَخْصِيصِهِ مَحَالّ اخْتِيَارِهِ بِمَا خَصّصَهَا بِهِ لِعِلْمِهِ بِأَنّهَا تَصْلُحُ لَهُ دُونَ غَيْرِهَا فَتَدَبّرْ السّيَاقَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ تَجِدْهُ مُتَضَمّنًا لِهَذَا الْمَعْنَى زَائِدًا عَلَيْهِ وَاَللّهُ أَعْلَمُ.

السّادِسُ أَنّ هَذِهِ الْآيَةَ مَذْكُورَةٌ عُقَيْب قَوْلِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ فَأَمّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ وَرَبّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [الْقَصَصُ 65 - 68] فَكَمَا خَلَقَهُمْ وَحْدَهُ سُبْحَانَهُ اخْتَارَ مِنْهُمْ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَكَانُوا صَفْوَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ وَخِيرَتَهُ مِنْ خَلْقِهِ وَكَانَ هَذَا الِاخْتِيَارُ رَاجِعًا إلَى حِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ سُبْحَانَهُ لِمَنْ هُوَ أَهْلٌ لَهُ لَا إلَى اخْتِيَارِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَاقْتِرَاحِهِمْ فَسُبْحَانَ اللّه وَتَعَالَى عَمّا يُشْرِكُونَ.

فَصْلٌ [الِاخْتِيَارُ دَالّ عَلَى رُبُوبِيّتِهِ سُبْحَانَهُ]

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير